للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْإِرْثِ وَالْإِنْفَاقِ، وَالْمَانِعُ مِنْ الْإِرْثِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ لَا يُمْكِنُهُ الْإِنْفَاقُ، فَوُجُودُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِنْفَاقِ كَعَدَمِهِ.

[فَصْلٌ نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ]

(٦٤٩٠) فَصْلٌ: فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ عَمُودِي النَّسَبِ، فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: الْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمَا. قَالَ الْقَاضِي: لَا نَفَقَةَ لَهُمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ ضَعِيفَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ مَالَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ، فَهُمْ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْمَالَ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ، وَذَلِكَ الَّذِي يَأْخُذُهُ بَيْتُ الْمَالِ؛ وَلِذَلِكَ يُقَدَّمُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُخَرَّجُ فِيهِمْ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ النَّفَقَةَ تَلْزَمُهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ وَذَوِي الْفُرُوضِ؛ لِأَنَّهُمْ وَارِثُونَ فِي تِلْكَ الْحَالِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: هَذَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ. فَأَمَّا عَمُودُ النَّسَبِ، فَذَكَرَ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، كَأَبِي الْأُمِّ وَابْنِ الْبِنْتِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَسَوَاءٌ كَانُوا مَحْجُوبِينَ أَوْ وَارِثِينَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ قَرَابَةٌ جُزْئِيَّةٌ وَبَعْضِيَّةٌ، وَتَقْتَضِي رَدَّ الشَّهَادَةِ، وَتَمْنَعُ جَرَيَانَ الْقِصَاصِ عَلَى الْوَالِدِ بِقَتْلِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، فَأَوْجَبَتْ النَّفَقَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَقَرَابَةِ الْأَبِ الْأَدْنَى.

[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ]

(٦٤٩١) فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ نَقْصُ الْخِلْقَةِ، وَلَا نَقْصُ الْأَحْكَامِ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ نَفَقَتَهُمْ مُطْلَقًا إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَلَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَالِدَيْنِ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْوَلَدِ؟ فَكَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، تَلْزَمهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ. وَالثَّانِيَةُ: إنْ كَانَ يَكْتَسِبُ فَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ، لَمْ تَلْزَمْ نَفَقَتُهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى كَسْبِ مَا يَقُومُ بِهِ تَلْزَمُ نَفَقَتُهُ، رِوَايَةً، وَاحِدَةً، سَوَاءٌ كَانَ نَاقِصَ الْأَحْكَامِ، كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، أَوْ نَاقِصَ الْخِلْقَةِ كَالزَّمِنِ، وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِي مَنْ لَا حِرْفَةَ لَهُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ بِبَدَنِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُشْتَرَطُ نُقْصَانُهُ، إمَّا، مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُنْفَقُ عَلَى الْغُلَامِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَإِذَا بَلَغَ صَحِيحًا، انْقَطَعَتْ نَفَقَتُهُ، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْجَارِيَةِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ. وَنَحْوَهُ قَالَ مَالِكٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُنْفَقُ عَلَى النِّسَاءِ حَتَّى يَتَزَوَّجْنَ، وَيَدْخُلَ بِهِنَّ الْأَزْوَاجُ، ثُمَّ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ، وَإِنْ طُلِّقْنَ، وَلَوْ طُلِّقْنَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهِنَّ، فَهُنَّ عَلَى نَفَقَتِهِنَّ. وَلَنَا، «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ.» لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ بَالِغًا وَلَا صَحِيحًا، وَلِأَنَّهُ وَالِدٌ أَوْ وَلَدٌ فَقِيرٌ، فَاسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ عَلَى وَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ الْغَنِيِّ، كَمَا لَوْ كَانَ زَمِنًا أَوْ مَكْفُوفًا، فَأَمَّا الْوَالِدُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَافَقَنَا عَلَى وُجُوب نَفَقَتِهِ صَحِيحًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا كَسْبٍ، وَلِلشَّافِعِي فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ. وَلَنَا أَنَّهُ وَالِدٌ مُحْتَاجٌ، فَأَشْبَهَ الزَّمِنَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>