وَالثَّانِي، أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَلَا مُشَارَكَتَهُ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، وَمَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ.
لِأَنَّهُ أَدَّى وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَأَدَّى ثَمَنَهُ، أَوْ بَاعَ بَعْضَ مَالِهِ وَسَلَّمَهُ، وَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ، فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ثِيَابًا مُثَمَّنَةً صَحَّ، وَلَوْ وَصَّى بِتَكْفِينِهِ فِي ثِيَابٍ مُثَمَّنَةٍ لَمْ يَصِحَّ، يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ إيفَاءَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ قَضَاءٌ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَقِيبَ الْبَيْعِ، فَكَذَلِكَ إذَا تَرَاخَى، إذْ لَا أَثَرَ لِتَرَاخِيهِ.
[فَصْلٌ تَبَرُّع الْمَرِيض أَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ أَقَرَّ بِدِينِ]
(٤٧٠٥) فَصْلٌ: وَإِذَا تَبَرَّعَ الْمَرِيضُ، أَوْ أَعْتَقَ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، لَمْ يَبْطُلْ تَبَرُّعُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ. عَتَقَ الْعَبْدُ، وَلَمْ يُرَدَّ إلَى الرِّقِّ. وَهَذَا لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِالتَّبَرُّعِ فِي الظَّاهِرِ، فَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِيمَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ.
[فَصْل الْأَمْرَاض عَلَى أَرْبَعَة أَقْسَام فِي تَصْرِف الْمَرِيض فِي الْوَصِيَّة]
(٤٧٠٦) فَصْلٌ: وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي هَذِهِ أَحْكَامُهُ شَرْطَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَتَّصِلَ بِمَرَضِهِ الْمَوْتُ، وَلَوْ صَحَّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي أَعْطَى فِيهِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحُكْمُ عَطِيَّتِهِ حُكْمُ عَطِيَّةِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ. الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا، وَالْأَمْرَاضُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ غَيْرُ مَخُوفٍ، مِثْل وَجَعِ الْعَيْنِ، وَالضِّرْسِ، وَالصُّدَاعِ الْيَسِيرِ، وَحُمَّى سَاعَةٍ، فَهَذَا حُكْمُ صَاحِبِهِ حُكْمُ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ
الضَّرْبُ الثَّانِي، الْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ؛ كَالْجُذَامِ، وَحُمَّى الرُّبْعِ، وَالْفَالِجِ فِي انْتِهَائِهِ، وَالسُّلِّ فِي ابْتِدَائِهِ، وَالْحُمَّى الْغِبِّ، فَهَذَا الضَّرْبُ إنْ أُضْنِيَ صَاحِبُهَا عَلَى فِرَاشِهِ، فَهِيَ مَخُوفَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، بَلْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، فَعَطَايَاهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ فِيهِ. وَقَدْ رَوَى حَرْبٌ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي وَصِيَّةِ الْمَجْذُومِ وَالْمَفْلُوجِ: مِنْ الثُّلُثِ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا صَارَا صَاحِبَيْ فِرَاشٍ. وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَجْهًا فِي صَاحِبِ الْأَمْرَاضِ الْمُمْتَدَّةِ، أَنَّ عَطِيَّتَهُ مِنْ صُلْبِ الْمَالِ
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ تَعْجِيلُ الْمَوْتِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْرَأُ فَهُوَ كَالْهَرِمِ. وَلَنَا، أَنَّهُ مَرِيضٌ صَاحِبُ فِرَاشٍ يَخْشَى التَّلَفَ، فَأَشْبَهَ صَاحِبَ الْحُمَّى الدَّائِمَةِ، وَأَمَّا الْهَرِمُ فَإِنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، فَهُوَ كَمَسْأَلَتِنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute