للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَالْحُكْمِ فِي عَرْصَتِهِ، سَوَاءٌ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِ الْحَائِطِ، إلَّا أَنْ يَطْلُبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهُ طُولًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى قَسْمِهِ أَيْضًا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ قَطَعَاهُ بَيْنَهُمَا، فَقَدْ أَتْلَفَا جُزْءًا مِنْ الْحَائِطِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَطْعَهُ.

وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ وَعَلَّمَا عَلَامَةَ عَلَى نِصْفِهِ، كَانَ انْتِفَاعُ أَحَدِهِمَا بِنَصِيبِهِ انْتِفَاعًا بِنَصِيبِ الْآخَرِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِ الدَّارِ وَقَسْمِ حَائِطِهَا الْمُحِيطِ بِهَا، وَكَذَلِكَ قَسْمِ الْبُسْتَانِ وَحَائِطِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَطْعِ الْمُضِرِّ، بَلْ يُعَلِّمُهُ بِخَطِّ بَيْنَ نَصِيبِهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ انْتِفَاعُ أَحَدِهِمَا بِنَصِيبِ الْآخَرِ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ، بِدَلِيلِ الْحَائِطِ الْمُتَّصِلِ فِي دَارَيْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كِتَاب الْحَوَالَة]

ِ وَالضَّمَانِ الْحَوَالَةُ ثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ. أَمَّا السُّنَّةُ، فَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظٍ «مَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ الْحَوَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَاشْتِقَاقِهَا مِنْ تَحْوِيلِ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا بَيْعٌ، فَإِنَّ الْمُحِيلَ يَشْتَرِي مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَالِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَجَازَ تَأْخِيرُ الْقَبْضِ رُخْصَةً؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الرِّفْقِ، فَيَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِذَلِكَ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَقْدُ إرْفَاقٍ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ، لَيْسَ بِمَحْمُولٍ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا جَازَتْ، لِكَوْنِهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَمَّا جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَالِ الرَّبَّا بِجِنْسِهِ. وَلَجَازَتْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَلَجَازَتْ بَيْنَ جِنْسَيْنِ، كَالْبَيْعِ كُلِّهِ.

وَلِأَنَّ لَفْظَهَا يُشْعِرُ بِالتَّحَوُّلِ لَا بِالْبَيْعِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ، وَتَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ وَأُصُولِهِ. وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مُحِيلٍ وَمُحْتَالٍ وَمُحَالٍ عَلَيْهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا رِضَى الْمُحِيلِ، بِلَا خِلَافٍ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ جِهَةُ قَضَائِهِ. وَأَمَّا الْمُحْتَالُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[مَسْأَلَةٌ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْحَقِّ]

(٣٥٥٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْحَقِّ، فَرَضِيَ، فَقَدْ بَرِئَ الْمُحِيلُ أَبَدًا) . مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا، تَمَاثُلُ الْحَقَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَحْوِيلٌ لِلْحَقِّ وَنَقْلٌ لَهُ، فَيُنْقَلُ عَلَى صِفَتِهِ، وَيُعْتَبَرُ تَمَاثُلُهُمَا فِي أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا، الْجِنْسُ. فَيُحِيلُ مَنْ عَلَيْهِ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ، وَمَنْ عَلَيْهِ فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ.

وَلَوْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ ذَهَبٌ بِفِضَّةٍ، أَوْ مَنْ عَلَيْهِ فِضَّةٌ بِذَهَبٍ، لَمْ يَصِحَّ. الثَّانِي، الصِّفَةُ. فَلَوْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ صِحَاحٌ بِمُكَسَّرَةٍ، أَوْ مَنْ عَلَيْهِ مِصْرِيَّةٌ بِأَمِيرِيَّةٍ، لَمْ يَصِحَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>