الثَّالِثُ، الْحُلُولُ وَالتَّأْجِيلُ. وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ أَجَلِ الْمُؤَجَّلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حَالًّا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا، أَوْ أُجِّلَ أَحَدُهُمَا إلَى شَهْرٍ وَالْآخَرُ إلَى شَهْرَيْنِ، لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ. وَلَوْ كَانَ الْحَقَّانِ حَالَّيْنِ، فَشَرَطَ عَلَى الْمُحْتَالِ أَنْ يَقْبِضَ حَقَّهُ أَوْ بَعْضَهُ بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّ الْحَالَ لَا يَتَأَجَّلُ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ مَا لَوْ كَانَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ؛ فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَهُ. وَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ، وَصَحَّتْ الْحَوَالَةُ، وَتَرَاضَيَا بِأَنْ يَدْفَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ خَيْرًا مِنْ حَقِّهِ، أَوْ رَضِيَ الْمُحْتَالُ بِدُونِ الصِّفَةِ، أَوْ رَضِيَ مَنْ عَلَيْهِ الْمُؤَجَّلُ بِتَعْجِيلِهِ، أَوْ رَضِيَ مَنْ لَهُ الْحَالُ بِإِنْظَارِهِ، جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ، فَفِي الْحَوَالَةِ أَوْلَى.
وَإِنْ مَاتَ الْمُحِيلُ، أَوْ الْمُحَالُ، فَالْأَجَلُ بِحَالِهِ. وَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، فَفِي حُلُولِ الْحَقِّ رِوَايَتَانِ، مَضَى ذِكْرُهُمَا. الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ تَكُونَ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ. وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يُحِيلَ بِدَيْنٍ [غَيْرِ] مُسْتَقِرٍّ، إلَّا أَنَّ السَّلَمَ لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ دَيْنَ السَّلَمِ لَيْسَ بِمُسْتَقَرٍّ لِكَوْنِهِ بِعَرْضِ الْفَسْخِ، لِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ.
وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ إلَّا فِيمَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَالسَّلَمُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ» . وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَدَائِهِ، وَيَسْقُطُ بِعَجْزِهِ. وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ غَيْرِ دَيْنٍ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ فِي الْمُدَايِنَات. وَإِنْ أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ بِنَجْمٍ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ، صَحَّ، وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُكَاتَبِ بِالْحَوَالَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ.
وَإِنْ أَحَالَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا بِصَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. وَإِنْ أَحَالَهَا الزَّوْجُ بِهِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَهُ تَسْلِيمَهُ إلَيْهَا، وَحَوَالَتُهُ بِهِ تَقُومُ مَقَامَ تَسْلِيمِهِ. وَإِنْ أَحَالَتْ بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ. وَإِنْ أَحَالَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، لَمْ يَصِحَّ، فِي قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ أَحَالَهُ الْمُشْتَرِي بِهِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَفَاءِ، وَلَهُ الْوَفَاءُ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ.
وَإِنْ أَحَالَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ، لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْحَوَالَةَ كَانَتْ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ ثَابِتًا مُسْتَقِرًّا، وَالْبَيْعُ كَانَ لَازِمًا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْجَوَازُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُشْتَرِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَبْطُلَ الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْجَوَازِ عَيْبُ الْمَبِيعِ، وَقَدْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْحَوَالَةِ.
وَكُلُّ مَوْضِعٍ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بِهِ، ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ، كَالزَّوْجَةِ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا، أَوْ الْمُشْتَرِي يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، تَبْطُلُ الْحَوَالَةَ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي بَقَائِهَا، وَيَرْجِعُ الْمُحِيلُ بِدَيْنِهِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي، لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ عَنْ الْمُحِيلِ، فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ، وَثَبَتَ لِلْمُحْتَالِ فَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ، فَكَأَنَّ الْمُحِيلَ أَقْبَضَ الْمُحْتَالَ دَيْنَهُ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ، وَيَأْخُذُ الْمُحْتَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute