للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَوَاءٌ تَعَذَّرَ الْقَبْضُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، لَمْ يَبْطُلْ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَيَرْجِعُ الْمُحِيلُ عَلَى الْمُحْتَالِ بِهِ.

(٣٥٥٦) فَصْلٌ: وَإِنْ أَحَالَ مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ رَجُلًا عَلَى آخَرَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَوَالَةٍ، بَلْ هِيَ وَكَالَةٌ تَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُهَا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَحَوُّلِ الْحَقِّ وَانْتِقَالِهِ، وَلَا حَقَّ هَاهُنَا يَنْتَقِلُ وَيَتَحَوَّلُ، وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى؛ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْوَكِيلِ مُطَالَبَةَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، كَاسْتِحْقَاقِ الْمُحْتَالِ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَتَحُولُ ذَلِكَ إلَى الْوَكِيلِ كَتَحَوُّلِهِ إلَى الْمُحِيلِ.

وَإِنْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَلَيْسَتْ حَوَالَةً أَيْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. فَلَا يَلْزَمُهُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ، وَلَا الْمُحْتَالُ قَبُولُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُعَاوَضَةٌ، وَلَا مُعَاوَضَةَ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا هُوَ اقْتِرَاضٌ. فَإِنْ قَبَضَ الْمُحْتَالُ مِنْهُ الدَّيْنَ، رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ. وَإِنْ أَبْرَأَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا، لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّهَا بَرَاءَةُ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ الدَّيْنَ، ثُمَّ وَهَبَهُ إيَّاهُ، رَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ غَرِمَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا عَادَ إلَيْهِ الْمَالُ بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ مَا غَرِمَ عَنْهُ شَيْئًا. وَإِنْ أَحَالَ مَنْ لَا دَيْنٍ عَلَيْهِ فَهِيَ وَكَالَةٌ فِي اقْتِرَاضٍ وَلَيْسَتْ حَوَالَةً، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِدَيْنٍ عَلَى دَيْنٍ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

(٣٥٥٧) فَصْلٌ: الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ تَكُونَ بِمَالٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ بَيْعًا فَلَا تَصِحُّ فِي مَجْهُولٍ، وَإِنْ كَانَتْ تُحَوِّلُ الْحَقَّ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّسْلِيمُ، وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنْهُ، فَتَصِحُّ بِكُلِّ مَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالْإِتْلَافِ مِنْ الْأَثْمَانِ وَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ، وَلَا تَصِحُّ فِيمَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَمِنْ شَرْطِ الْحَوَالَةِ تَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ، فَأَمَّا مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ سَلَّمَا غَيْرَ الْمِثْلِيَّاتِ، كَالْمَذْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ، فَفِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ فِيهِ لَا يَتَحَرَّرُ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ فِي الْإِتْلَافِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.

وَالثَّانِي: تَصِحُّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، فَأَشْبَهَ مَالَهُ مِثْلٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَرَّجَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا يَقْتَضِي بِهِ قَرْضَ هَذِهِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ إبِلٌ مِنْ الدِّيَةِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِثْلُهَا فِي السِّنِّ، فَقَالَ الْقَاضِي: تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فِي السِّنِّ وَالْقِيمَةِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تَصِحُّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ، وَلِأَنَّ الْإِبِلَ لَيْسَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ الَّتِي تُضْمَنُ بِمِثْلِهَا فِي الْإِتْلَافِ، وَلَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا. فِي رِوَايَةٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ إبِلٌ مِنْ دِيَةٍ، وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِثْلُهَا قَرْضًا، فَأَحَالَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَرُدُّ فِي الْقَرْضِ قِيمَتَهَا. لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةِ؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>