يَرْفَعُهُ التَّكْفِيرُ، فَجَازَ تَأْقِيتُهُ. وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَإِنْ بَرَّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الَّذِينَ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا، وَمَنْ بَرَّ وَتَرَك الْعَوْدَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ظَاهَرَ فَلَمْ يَعُدْ لِمَا قَالَ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَفَارَقَ التَّشْبِيهَ بِمَنْ لَا تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا غَيْرُ كَامِلٍ، وَهَذِهِ حَرَّمَهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ تَحْرِيمًا مُشَبَّهًا بِتَحْرِيمِ ظَهْرِ أُمِّهِ. عَلَى أَنَّنَا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا إلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ. وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: إنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا عَقِيبَ الظِّهَارِ، فَهُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إذَا أَجْمَعَ عَلَى غَشَيَانهَا فِي الْوَقْتِ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ. وَلَنَا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ إلَّا بِالْوَطْءِ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ لَمْ يَحْنَثْ فِيهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَتُهَا، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْمُظَاهِرَ فِي وَقْتٍ، عَازِمٌ عَلَى إمْسَاكِ زَوْجَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَمَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ بِذَلِكَ، كَانَ قَوْلُهُ كَقَوْلِ طَاوُسٍ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: يَصِحُّ الظِّهَارُ مُؤَقَّتًا لِعَدَمِ تَأْثِيرِ الْوَقْتِ.
[فَصْلٌ تَعْلِيقُ الظِّهَارِ بِشُرُوطِ]
(٦١٨٢) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الظِّهَارِ بِالشُّرُوطِ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. فَمَتَى شَاءَ زَيْدٌ أَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ، صَارَ مُظَاهِرًا، وَإِلَّا فَلَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ، فَجَازَ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَالْإِيلَاءِ، وَلِأَنَّ أَصْلَ الظِّهَارِ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا، وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، فَكَذَلِكَ الظِّهَارُ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ تَحْرُمُ بِهِ الزَّوْجَةُ، فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَالطَّلَاقِ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ تَظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي الْأُخْرَى، فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. ثُمَّ تَظَاهَرَ مِنْ الْأُخْرَى، صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَإِنْ قَالَ: إنْ تَظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. ثُمَّ قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. صَارَ مُظَاهِرًا مِنْ امْرَأَتِهِ، عِنْدَ مَنْ يَرَى الظِّهَارَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَمَنْ لَا فَلَا. وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ]
(٦١٨٣) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ. لَمْ يَنْعَقِدْ ظِهَارُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: هِيَ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، هِيَ يَمِينٌ. وَإِذَا قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ، إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَهُ أَهْلٌ، هِيَ يَمِينٌ، لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ كَتَحْرِيمِ مَالِهِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute