النَّفَقَةَ عَلَى الرَّقَبَةِ، فَكَانَتْ عَلَى صَاحِبِهَا، كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْفَعَةٌ. قَالَ الشَّرِيفُ: وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَلْزَمُهُ، وَالْفِطْرَةُ تَتْبَعُ النَّفَقَةَ، وَوُجُوبُ التَّابِعِ عَلَى إنْسَانٍ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْمَتْبُوعِ عَلَيْهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَالْإِصْطَخْرِيِّ، وَهُوَ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْعَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، كَالزَّوْجِ، وَلِأَنَّ نَفْعَهُ لَهُ، فَكَانَ عَلَيْهِ ضُرُّهُ، كَالْمَالِكِ لَهُمَا جَمِيعًا، يُحَقِّقُهُ أَنَّ إيجَابَ النَّفَقَةِ عَلَى مَنْ لَا نَفْعَ لَهُ ضَرَرٌ مُجَرَّدٌ، فَيَصِيرُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ: أَوْصَيْت لَك بِنَفْعِ عَبْدِي، وَأَبْقَيْت عَلَى وَرَثَتِي ضُرَّهُ. وَإِنْ وَصَّى بِنَفْعِهِ لَإِنْسَانٍ، وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ، كَانَ مَعْنَاهُ: أَوْصَيْت لِهَذَا بِنَفْعِهِ، وَلِهَذَا بِضُرِّهِ. وَالشَّرْعُ يَنْفِي هَذَا بِقَوْلِهِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَلِذَلِكَ جَعَلَ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، لِيَكُونَ ضُرُّهُ عَلَى مَنْ لَهُ نَفْعُهُ. وَفَارَقَ الْمُسْتَأْجَرَ، فَإِنَّ نَفْعَهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْمُؤَجَّرِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَجْرَ عِوَضًا عَنْ مَنَافِعِهِ. وَقِيلَ: تَجِبُ نَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ. وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى إيجَابِهَا عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِنْ مَنَافِعِهِ، فَإِذَا صُرِفَ فِي نَفَقَتِهِ، فَقَدْ صُرِفَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمُوصَى بِهَا إلَى النَّفَقَةِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ صُرِفَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ سِوَاهُ.
(٤٦٧١) فَصْلٌ: وَإِذَا أَعْتَقَ الْوَرَثَةُ الْعَبْدَ، عَتَقَ، وَمَنْفَعَتُهُ بَاقِيَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِشَيْءٍ. وَإِنْ أَعْتَقَهُ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ، لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلرَّقَبَةِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا. وَإِنْ وَهَبَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ مَنَافِعَهُ لِلْعَبْدِ، وَأَسْقَطَهَا عَنْهُ، فَلِلْوَرَثَةِ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ. وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ بَيْعَ الْعَبْدِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَيُبَاعُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ، وَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ، فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، كَالْحَشَرَاتِ وَالْمَيْتَاتِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَ مَنْفَعَتِهِ يَجْتَمِعُ لَهُ الرَّقَبَةُ وَالْمَنْفَعَةُ، فَيَنْتَفِعُ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ جَازَ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الزَّرْعِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ، فَصَحَّ بَيْعُهُ كَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إعْتَاقُهُ وَتَحْصِيلُ وَلَائِهِ، وَجَرُّ وَلَاءِ مَنْ يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ بِعِتْقِهِ، بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ. وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ، وَلِآخَرَ بِنَفْعِهِ، صَحَّ، وَقَامَ الْمُوصِيَةُ لَهُ بِالرَّقَبَةِ مَقَامَ الْوَارِثِ فِيمَا ذَكَرْنَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
[فَصْلٌ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَنْفَعَةِ أُمَّته فَأَتَتْ بِوَلَدِ مِنْ زَوْج أَوْ زَنَى]
(٤٦٧٢) فَصْلٌ: وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَنْفَعَةِ أَمَتِهِ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا، فَهُوَ مَمْلُوكٌ، حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي حُكْمِهَا، كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ النَّفْعِ الْمُوصَى بِهِ. وَلَا هُوَ مِنْ الرَّقَبَةِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا. وَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَجَبَ الْمَهْرُ عَلَى الْوَاطِئِ لِصَاحِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute