[مَسْأَلَةٌ دِيَة الْمَجُوسِيّ]
(٦٨٣٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ) وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَقَلَّ مَا اُخْتُلِفَ فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ قَالَ: دِيَتُهُ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: دِيَتُهُ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ حُرٌّ مَعْصُومٌ، فَأَشْبَهَ الْمُسْلِمَ.
وَلَنَا، قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفًا، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَقَوْلُهُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . يَعْنِي فِي أَخْذِ جِزْيَتِهِمْ، وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ، بِدَلِيلِ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ لَا تَحِلُّ لَنَا، وَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ بِالْمُسْلِمِ وَلَا الْكِتَابِيِّ، لِنُقْصَانِ دِيَتِهِ وَأَحْكَامِهِ عَنْهُمَا، فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْقُصَ دِيَتُهُ، كَنَقْصِ الْمَرْأَةِ عَنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَجُوسِيُّ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمِنًا؛ لِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ. وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ بِإِجْمَاعٍ. وَجِرَاحُ كُلِّ وَاحِدٍ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ دِيَتِهِ. وَإِنْ قُتِلُوا عَمْدًا، أُضْعِفَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْقَاتِلِ الْمُسْلِمِ؛ لِإِزَالَةِ الْقَوَدِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، قِيَاسًا عَلَى الْكِتَابِيِّ.
[فَصْلٌ دِيَةُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَسَائِرِ مِنْ لَا كِتَابَ لَهُ]
(٦٨٣٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَسَائِرِ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ، كَالتُّرْكِ، وَمَنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ، فَلَا دِيَةَ لَهُمْ وَإِنَّمَا تُحْقَنُ دِمَاؤُهُمْ بِالْأَمَانِ، فَإِذَا قُتِلَ مَنْ لَهُ أَمَانٌ مِنْهُمْ، فَدِيَتُهُ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الدِّيَاتِ، فَلَا تَنْقُصُ عَنْهَا، وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ ذُو عَهْدٍ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ، فَأَشْبَهَ الْمَجُوسِيَّ.
[فَصْلٌ دِيَةُ مَنْ لَمْ تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ مِنْ الْكُفَّارِ]
(٦٨٣٦) فَصْلٌ: وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ مِنْ الْكُفَّارِ إنْ وُجِدَ، لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ حَتَّى يُدْعَى، فَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْطَى أَمَانًا، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا أَيْمَانَ، فَأَشْبَهَ امْرَأَةَ الْحَرْبِيِّ وَابْنَهُ الصَّغِيرَ، وَإِنَّمَا حَرُمَ قَتْلُهُ لِتَبْلُغَهُ الدَّعْوَةُ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَضْمَنُ بِمَا يَضْمَنُ بِهِ أَهْلُ دِينِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ، أَشْبَهَ مَنْ لَهُ أَمَانٌ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ فَإِنَّ هَذَا يَنْتَقِضُ بِصِبْيَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَجَانِينِهِمْ، وَلِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute