صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَعَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِجِنَايَةِ يَدِهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَغَيْبَتِهِ، كَالْعُدْوَانِ، وَلِأَنَّ جِنَايَةَ الْجَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ، إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ رَاكِبًا مَعَهُ، يَعُمُّ الْمَتَاعَ وَصَاحِبَهُ، وَتَفْرِيطَهُ يَعُمُّهُمَا، فَلَمْ يُسْقِطْ ذَلِكَ الضَّمَانَ، كَمَا لَوْ رَمَى إنْسَانًا مُتَتَرِّسًا، فَكَسَرَ تُرْسَهُ وَقَتَلَهُ، وَلِأَنَّ الطَّبِيبَ وَالْخَتَّانَ إذَا جَنَتْ يَدَاهُمَا ضَمِنَا مَعَ حُضُورِ الْمُطَبَّبِ وَالْمَخْتُونِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَمَّالٌ يَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهِ وَرَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ، فَعَثَرَ، فَسَقَطَ الْمَتَاعُ، فَتَلِفَ، ضَمِنَ، وَإِنْ سُرِقَ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعِثَارِ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ، وَالسَّرِقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنَايَتِهِ.
وَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ تَلَفَهُ بِجِنَايَتِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ حَضَرَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ غَابَ، بَلْ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَوْضِعِ مَقْصُودٌ لِفَاعِلِهِ، وَالسَّقْطَةُ مِنْ الْحَمَّالِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لَهُ، فَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ هَاهُنَا، فَثَمَّ أَوْلَى.
[فَصْلٌ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى حَمْلِهِ عَبِيدًا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا]
(٤٢٧٧) فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى حَمْلِهِ عَبِيدًا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَارِي فِيمَا تَلِفَ مِنْ سَوْقِهِ وَقَوْدِهِ، إذْ لَا يَضْمَنُ بَنِي آدَمَ مِنْ جِهَةِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ
وَالْأَوْلَى وُجُوبُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هَاهُنَا مِنْ جِهَةِ الْجِنَايَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَعُمَّ بَنِي آدَمَ وَغَيْرَهُمْ، كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ. وَمَا ذَكَرَهُ يَنْتَقِضُ بِجِنَايَةِ الطَّبِيبِ وَالْخَتَّانِ.
[فَصْلٌ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ]
(٤٢٧٨) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْأَجِيرُ الْخَاصُّ فَهُوَ الَّذِي يُسْتَأْجَرُ مُدَّةً، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يَتَعَدَّ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِي رَجُلٍ أَمَرَ غُلَامَهُ يَكِيلُ لِرَجُلٍ بِزْرًا، فَسَقَطَ الرِّطْلُ مِنْ يَدِهِ، فَانْكَسَرَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. فَقِيلَ: أَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَصَّارِ؟ قَالَ: لَا، الْقَصَّارُ مُشْتَرَكٌ. قِيلَ: فَرَجُلٌ اكْتَرَى رَجُلًا يَسْتَقِي مَاءً، فَكَسَرَ الْجَرَّةَ؟ فَقَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ اكْتَرَى رَجُلًا يَحْرُثُ لَهُ عَلَى بَقَرَةٍ، فَكَسَرَ الَّذِي يَحْرُثُ بِهِ
قَالَ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّ جَمِيعَ الْأُجَرَاءِ يَضْمَنُونَ. وَرَوَى فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْأُجَرَاءَ، وَيَقُولُ: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا هَذَا. وَلَنَا أَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، كَالْقِصَاصِ وَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ. وَخَبَرُ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ، وَالصَّحِيحُ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّوَّاغَ
، وَإِنْ رُوِيَ مُطْلَقًا، حُمِلَ عَلَى هَذَا فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ الْخَاصَّ نَائِبٌ عَنْ الْمَالِكِ فِي صَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ، كَالْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ. فَأَمَّا مَا يَتْلَفُ بِتَعَدِّيهِ، فَيَجِبُ ضَمَانُهُ، مِثْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute