[فَصْلٌ قِسْمَة الْقَاضِي الْمَكِيلَات وَالْمَوْزُونَات مِنْ الْمَطْعُومَات وَغَيْرِهَا]
(٨٣٠٥) فَصْلٌ: وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، مِنْ الْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ قِسْمَةِ الْأَرْضِ مَعَ اخْتِلَافِهَا، يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحُبُوبُ، وَالثِّمَارُ، وَالنُّورَةُ، وَالْأُشْنَانُ، وَالْحَدِيدُ، وَالرَّصَاصُ، وَنَحْوُهَا مِنْ الْجَامِدَاتِ، وَالْعَصِيرُ، وَالْخَلُّ، وَاللَّبَنُ، وَالْعَسَلُ، وَالسَّمْنُ، وَالدِّبْسُ، وَالزَّيْتُ، وَالرُّبُّ وَنَحْوُهَا مِنْ الْمَائِعَاتِ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَوْ إفْرَازُ حَقٍّ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ، وَإِفْرَازُهُ جَائِزٌ.
فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَنْوَاعٌ، كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ، وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا كُلَّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ، أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ، وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ، لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ نَوْعٍ بِنَوْعٍ آخَرَ، وَلَيْسَ بِقِسْمَةٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، كَغَيْرِ الشَّرِيكِ.
فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، جَازَ. وَكَانَ بَيْعًا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فِيمَا يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِيهِ، وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ.
[فَصْلٌ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَة مِنْ الْقَاضِي وَأَبَى الْآخَرُ]
(٨٣٠٦) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثِيَابٌ، أَوْ حَيَوَانٌ، أَوْ أَوَانٍ، أَوْ خَشَبٌ، أَوْ عَمَدٌ، أَوْ أَحْجَارٌ، فَاتَّفَقَا عَلَى قِسْمَتِهَا، جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ الْغَنَائِمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَجْنَاسٍ مِنْ الْمَالِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ كُلِّ جِنْسٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى قِسْمَتِهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ. وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ، وَطَلَبَ الْآخَرُ قِسْمَتَهُ أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ، قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ قِسْمَةَ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ، إذَا أَمْكَنَ. وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةِ، وَأَبَى الْآخَرُ، وَكَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ إلَّا بِأَخْذِ عِوَضٍ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ قَطْعِ ثَوْبٍ فِي قَطْعِهِ نَقْصٌ، أَوْ كَسْرِ إنَاءٍ، أَوْ رَدِّ عِوَضٍ، لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ.
وَإِنْ أَمْكَنَ قِسْمَةُ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ، مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَلَا رَدِّ عِوَضٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ.
وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا أَعْرِفُ فِي هَذَا عَنْ إمَامِنَا رِوَايَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْبَرَ الْمُمْتَنِعُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُقْسَمُ أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ، فَلَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ الدُّورِ، بِأَنْ يَأْخُذَ هَذَا دَارًا وَهَذَا دَارًا وَهَذَا دَارًا، وَكَالْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ، وَلَيْسَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي الْقِيمَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ اخْتِلَافِ قِيمَةِ الدَّارِ الْكَبِيرَةِ وَالْقَرْيَةِ الْعَظِيمَةِ، فَإِنَّ أَرْضَ الْقَرْيَةِ تَخْتَلِفُ، سِيَّمَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ أَشْجَارٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَرَاضٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَالدَّارُ ذَاتُ بُيُوتٍ وَاسِعَةٍ وَضَيِّقَةٍ، وَحَدِيثَةٍ وَقَدِيمَةٍ، ثُمَّ هَذَا الِاخْتِلَافُ لَمْ يَمْنَعْ الْإِجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ، كَذَلِكَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ، وَفَارَقَ الدُّورَ؛ فَإِنَّهُ أَمْكَنَ قِسْمَةُ كُلِّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا، وَهَا هُنَا لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلِّ ثَوْبٍ مِنْهَا أَوْ إنَاءٍ عَلَى حِدَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الثِّيَابُ أَنْوَاعًا؛ كَالْحَرِيرِ، وَالْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، فَهِيَ كَالْأَجْنَاسِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَمْوَالِ. وَالْحَيَوَانُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَيُقْسَمُ النَّوْعُ الْوَاحِدُ مِنْهُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute