[فَصْلُ كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا فَأَبْرَأَتْ الزَّوْجَ مِنْهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ]
(١٩٥٠) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا، فَأَبْرَأَتْ الزَّوْجَ مِنْهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، عَلَيْهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَتْهُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، زَكَاتُهُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا مُلِّكَ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَمَا ذَكَرْنَا لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا سَقَطَ الدَّيْنُ عَنْهُ، ثُمَّ لَوْ مَلَكَ فِي الْحَالِ لَمْ يَقْتَضِ هَذَا وُجُوبَ زَكَاةِ مَا مَضَى.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الزَّوْجِ، وَالْمَرْأَةُ لَمْ تَقْبِضْ الدَّيْنَ، فَلَمْ تَلْزَمْهَا زَكَاتُهُ، كَمَا لَوْ سَقَطَ بِغَيْرِ إسْقَاطِهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا قَبَضَتْهُ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهَا بِحَالٍ. وَكُلُّ دَيْنٍ عَلَى إنْسَانٍ أَبْرَأَهُ صَاحِبُهُ مِنْهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّدَاقِ فِيمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَحْمَدُ: إذَا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا، وَقَدْ مَضَى لَهُ عَشْرُ سِنِينَ، فَإِنَّ زَكَاتَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ لَهَا.
وَإِذَا وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ مَالًا، فَحَالَ الْحَوْلُ، ثُمَّ ارْتَجَعَهُ الْوَاهِبُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهُ، فَإِنْ ارْتَجَعَهُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ. وَقَالَ فِي رَجُلٍ بَاعَ شَرِيكَهُ نَصِيبَهُ مِنْ دَارِهِ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَنَةٍ، قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي دَرَاهِمُ فَأَقِلْنِي، فَأَقَالَهُ، قَالَ: عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ حَوْلًا.
[مَسْأَلَةُ زَكَاة الْمَاشِيَةُ إذَا بِيعَتْ بِالْخِيَارِ]
(١٩٥١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ وَالْمَاشِيَةُ إذَا بِيعَتْ بِالْخِيَارِ، فَلَمْ يَنْقَضِ الْخِيَارُ حَتَّى رُدَّتْ، اسْتَقْبَلَ بِهَا الْبَائِعُ حَوْلًا، سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ تَجْدِيدُ مِلْكٍ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَنْقُلُ الْمِلْكَ إلَى الْمُشْتَرِي عَقِيبَهُ، وَلَا يَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْخِيَارِ، سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْخِيَارُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْتَقِلُ إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي خَرَجَ عَنْ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ، وَقَوْلٌ ثَالِثٌ، أَنَّهُ مُرَاعًى، فَإِنْ فَسَخَاهُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ، وَإِنْ أَمْضَيَاهُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ انْتَقَلَ. وَلَنَا، أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ فَنُقِلَ الْمِلْكُ عَقِيبَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْخِيَارُ.
وَإِنْ كَانَ الْمَالُ زَكَائِيًّا انْقَطَعَ الْحَوْلُ بِبَيْعِهِ، لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ، فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ اسْتَأْنَفَ حَوْلًا؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ حَدَثَ بَعْدَ زَوَالِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهُ حَوْلًا كَمَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ فَسَخَا الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْمَجْلِسِ بِخِيَارِهِ؛ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ أَيْضًا، فَهُوَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ. وَلَوْ مَضَى الْحَوْلُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute