أَحَدُهُمَا، يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْجِمَالِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ إذْنٌ فِي الْإِنْفَاقِ. وَالثَّانِي لَا يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ
وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ يُشْهِدُهُ فَأَنْفَقَ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ؛ لِقَوْلِنَا: يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْآبِقِ، وَعَلَى عِيَالِ الْغَائِبِ وَزَوْجَاتِهِ، وَالدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ. وَلَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ، فَأَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي رُجُوعِهِ وَجْهَانِ أَيْضًا. وَحُكْمُ مَوْتِ الْجَمَّالِ، حُكْمُ هَرَبِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ، أَنَّ الْمَوْتَ لَا يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ، وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا، وَلَا يُسْرِفُ فِي عَلْفِهَا، وَلَا يُقَصِّرُ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ فِي مَالِ الْمُتَوَفَّى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ مَا يُنْفِقُهُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَجُوزُ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ مِنْ نَائِبِهِ، أَوْ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ كِرَاءٍ الْعَقَبَة]
(٤٢٦٩) فَصْلٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يَصِحُّ كِرَاءُ الْعَقَبَةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَعْنَاهَا: الرُّكُوبُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، يَرْكَبُ شَيْئًا وَيَمْشِي شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ اكْتِرَاؤُهَا فِي الْجَمِيعِ، جَازَ اكْتِرَاؤُهَا فِي الْبَعْضِ. وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مَعْلُومَةً، إمَّا أَنْ يُقَدِّرَهَا بِفَرَاسِخَ مَعْلُومَةٍ، وَإِمَّا بِالزَّمَانِ، مِثْلَ أَنْ يَرْكَبَ لَيْلًا وَيَمْشِيَ نَهَارًا، وَيُعْتَبَرُ فِي هَذَا زَمَانُ السَّيْرِ دُونَ زَمَانِ النُّزُولِ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَ يَوْمًا وَيَمْشِيَ يَوْمًا، جَازَ. فَإِنْ اكْتَرَى عُقْبَةً، وَأَطْلَقَ، احْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، وَلَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ، فَيَكُونُ مَجْهُولًا. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيَمْشِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ مَا زَادَ وَنَقَصَ، جَازَ. وَإِنْ اخْتَلَفَا، لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ الْمَاشِي لِدَوَامِ الْمَشْيِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْجَمَلِ لِدَوَامِ الرُّكُوبِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ إذَا رَكِبَ بَعْدَ شِدَّةِ تَعَبِهِ كَانَ أَثْقَلَ عَلَى الْبَعِيرِ.
وَإِنْ اكْتَرَى اثْنَانِ جَمَلًا يَرْكَبَانِهِ عُقْبَةً وَعُقْبَةً، جَازَ، وَيَكُونُ كِرَاؤُهُمَا طُولَ الطَّرِيقِ، وَالِاسْتِيفَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَشَاحَّا، قُسِمَ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرَاسِخُ مَعْلُومَةٌ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا اللَّيْلُ وَلِلْآخَرِ النَّهَارُ. وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ عُرْفٌ، رُجِعَ إلَيْهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَادِئ مِنْهُمَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ كِرَاؤُهُمَا، إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى رُكُوبِ مَعْلُومٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَجْهُولٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَيَا عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا مُعَيَّنًا مِنْهُمَا.
[مَسْأَلَة الْمَعْرِفَة بِالْوَصْفِ تَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فِي الرَّاكِبَيْنِ]
(٤٢٧٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ رَأَى الرَّاكِبَيْنِ، أَوْ وُصِفَا لَهُ، وَذَكَرَ الْبَاقِيَ بِأَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ، فَجَائِزٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالْوَصْفِ تَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فِي الرَّاكِبَيْنِ، إذَا وَصَفَهُمَا بِمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ، فِي الطُّولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute