قَتَادَةُ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَهُ جَدَعْنَاهُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. مَعَ الْعُمُومَاتِ وَالْمَعْنَى فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَعَنْ عُمَرَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ لَمْ أَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يُقَادُ الْمَمْلُوكُ مِنْ مَوْلَاهُ، وَالْوَلَدُ مِنْ وَالِدِهِ لَأَقَدْته مِنْك» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ عَبْدَهُ، فَجَلَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَنَفَاهُ عَامًا، وَمَحَا اسْمَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَالْخَلَّالُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ قِبَلِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ. وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، أَنَّهُمَا قَالَا: مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ، جُلِدَ مِائَةً، وَحُرِمَ سَهْمُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. فَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ، فَلَمْ يَثْبُتْ. قَالَ أَحْمَدُ: الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، إنَّمَا هِيَ صَحِيفَةٌ.
وَقَالَ عَنْهُ أَحْمَدُ: إنَّمَا سَمِعَ الْحَسَنُ مِنْ سَمُرَةَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا. وَلِأَنَّ الْحَسَنَ أَفْتَى بِخِلَافِهِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ. وَقَالَ: إذَا قَتَلَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ يُضْرَبُ. وَمُخَالَفَتُهُ لَهُ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ.
[فَصْلٌ لَا يُقْطَعُ طَرَفٌ بِطَرَفِ الْعَبْدِ]
(٦٦٠٦) فَصْلٌ: وَلَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْحُرِّ بِطَرَفِ الْعَبْدِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ بَيْنهمْ، وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَيُقْتَلُ بِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُتِلَ بِمِثْلِهِ، فَبِمَنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ أَوْلَى، مَعَ عُمُومِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. وَمَتَى وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْعَبْدِ، فَعَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ إلَى الْمَالِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ، فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ، كَالْقِصَاصِ. ثُمَّ إنْ شَاءَ سَيِّدُهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ إلَيْهِ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهِ. وَإِنْ قَالَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ: بِعْهُ، وَادْفَعْ إلَيَّ ثَمَنَهُ. لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ الَّتِي سَلَّمَهَا، فَبَرِئَ مِنْهَا. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، كَمَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الرَّهْنِ. وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهِ، وَاخْتَارَ فِدَاءَهُ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ أَوْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ جَمِيعًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، ذَكَرْنَاهُمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَإِنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ لِيَمْلِكَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إتْلَافَهُ، فَكَانَ مِلْكًا لَهُ، كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ تَعَلَّقَ بِهِ الْقِصَاصُ، فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْعَفْوِ كَالْحُرِّ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، يَتَعَلَّقُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ، كَمَا لَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ الَّذِي عَفَا لِأَجْلِهِ لَمْ يَصِحَّ لَهُ، فَكَانَ لَهُ عِوَضُهُ، كَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute