مَا لَمْ تُدْلِ لِلْغُرُوبِ. فَلَا. وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، قِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْوَقْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا تَطُولُ، فَيُخَافُ عَلَى الْمَيِّتِ فِيهِمَا، وَيَشُقُّ انْتِظَارُ خُرُوجِهِمَا، بِخِلَافِ هَذِهِ. وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَيْضًا دَفْنَ الْمَيِّتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، لِحَدِيثِ عُقْبَةَ. فَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ وَالْغَائِبِ، فَلَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَوْقَاتِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ تَجْوِيزِهَا عَلَى الْمَيِّتِ مُعَلَّلَةٌ بِالْخَوْفِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ هَاهُنَا، فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ، وَالْعَمَلِ بِعُمُومِ النَّهْيِ
[فَصْلٌ حُكْم الدَّفْنُ لَيْلًا]
(١٦٦٩) فَصْلٌ: فَأَمَّا الدَّفْنُ لَيْلًا، فَقَالَ أَحْمَدُ: وَمَا بَأْسٌ بِذَلِكَ. وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلًا، وَعَلِيٌّ دَفَنَ فَاطِمَةَ لَيْلًا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: كُنَّا سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَّاحِي مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فِي دَفْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمِمَّنْ دُفِنَ لَيْلًا: عُثْمَانُ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَرَخَّصَ فِيهِ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ، فِي " صَحِيحِهِ "، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ يَوْمًا، فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ، فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَدُفِنَ لَيْلًا، فَزَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ الْإِنْسَانُ إلَى ذَلِكَ» . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إلَيْهِ أَذْهَبُ.
وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: «وَاَللَّهِ لَكَأَنِّي أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ فِي قَبْرِ ذِي النِّجَادَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَهُوَ يَقُول: أَدْنِيَا مِنِّي أَخَاكُمَا حَتَّى أُسْنِدَهُ فِي لَحْدِهِ. ثُمَّ قَالَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَمْسَيْت عَنْهُ رَاضِيًا، فَارْضَ عَنْهُ. وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا، قَالَ: فَوَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَوَدِدْت أَنِّي مَكَانَهُ، وَلَقَدْ أَسْلَمْت قَبْلَهُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَخَذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ.» رَوَاهُ الْخَلَّالُ، فِي " جَامِعِهِ ".
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا، فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ، فَأَخَذَ مَنْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ: رَحِمَك اللَّهُ، إنْ كُنْت لَأَوَّاهًا، تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: فُلَانٌ، دُفِنَ الْبَارِحَةَ. فَصَلَّى عَلَيْهِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute