بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَثْلَاثًا، فَالْوَضِيعَةُ أَثْلَاثًا. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَفِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ تَكُونُ الْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِي الْمُشْتَرَى، سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْوَضِيعَةُ لِتَلَفٍ، أَوْ نُقْصَانٍ فِي الثَّمَنِ عَمَّا اشْتَرَيَا بِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْوَضِيعَةَ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْمَالِ خَاصَّةً، لَيْسَ عَلَى الْعَامِلِ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نُقْصَانِ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمِلْكِ رَبِّهِ، لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيهِ، فَيَكُونُ نَقْصِهِ مِنْ مَالِهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ فِيمَا يَحْصُلُ مِنْ النَّمَاءِ، فَأَشْبَهَ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ، فَإِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ يُشَارِكُ الْعَامِلَ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الزَّرْعِ وَالتَّمْرِ.
وَإِنْ تَلِفَ الشَّجَرُ، أَوْ هَلَكَ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْضِ بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَامِلِ شَيْءٌ.
[مَسْأَلَة جَعَلَ فَضْلَ دَرَاهِمَ لَأَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ]
(٣٦٥٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لَأَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ فَضْلَ دَرَاهِمَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ مَتَى جَعَلَ نَصِيبَ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، أَوْ جَعَلَ مَعَ نَصِيبِهِ دَرَاهِمَ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ جُزْءًا وَعَشْرَةَ دَرَاهِمَ، بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مِنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى إبْطَالِ الْقِرَاضِ إذَا شَرَطَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا لِنَفْسِهِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً.
وَمِمَّنْ حَفِظْنَا ذَلِكَ عَنْهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالْجَوَابُ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَك نِصْفُ الرِّبْحِ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ نِصْفُ الرِّبْحِ وَعَشْرَةُ دَرَاهِمَ، كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا شَرَطَ دَرَاهِمَ مُفْرَدَةً.
وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحّ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ؛: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ إذَا شَرَطَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَرْبَحَ غَيْرَهَا، فَيَحْصُلَ عَلَى جَمِيعِ الرِّبْحِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَرْبَحَهَا، فَيَأْخُذَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ جُزْءًا.
وَقَدْ يَرْبَحُ كَثِيرًا، فَيَسْتَضِرُّ مَنْ شُرِطَتْ لَهُ الدَّرَاهِمُ.
وَالثَّانِي، أَنَّ حِصَّةَ الْعَامِلِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً بِالْأَجْزَاءِ، لَمَّا تَعَذَّرَ كَوْنُهَا مَعْلُومَةً بِالْقَدْرِ، فَإِذَا جُهِلَتْ الْأَجْزَاءُ، فَسَدَتْ، كَمَا لَوْ جُهِلَ الْقَدْرُ فِيمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِهِ.
وَلِأَنَّ الْعَامِلَ مَتَى شَرَطَ لِنَفْسِهِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، رُبَّمَا تَوَانَى فِي طَلَبِ الرِّبْحِ؛ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ فِيهِ وَحُصُولِ نَفْعِهِ لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ.
[فَصْل دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَيْنِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحَ أَلْفٍ]
(٣٦٥٩) فَصْلٌ: وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَيْنِ مُضَارَبَةً، عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحَ أَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ لَأَحَدِهِمَا رِبْحَ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ، أَوْ رِبْحَ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ، أَوْ رِبْحَ تِجَارَتِهِ فِي شَهْرٍ أَوْ عَامٍ بِعَيْنِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَسَدَ الشَّرْطُ وَالْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَرْبَحُ فِي غَيْرِهِ دُونَهُ، فَيَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِالرِّبْحِ، وَذَلِكَ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الشَّرِكَةِ وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.
وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا، وَقَالَ لَك رِبْحُ نِصْفِهِ. لَمْ يَجُزْ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ رِبْحِهِ هُوَ رِبْحُ نِصْفِهِ، فَجَازَ شَرْطُهُ، كَمَا لَوْ عَبَّرَ عَنْهُ بِعِبَارَتِهِ الْأُخْرَى.