للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَةِ، خُولِفَ فِي الدَّمِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ.

[فَصْلٌ النَّجَاسَات الْمُغَلَّظَة]

(٩٨١) فَصْلٌ: وَقَدْ عُفِيَ عَنْ النَّجَاسَاتِ الْمُغَلَّظَةِ لِأَجْلِ مَحَلِّهَا، فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ؛ أَحَدُهَا، مَحَلُّ الِاسْتِنْجَاءِ، فَعُفِيَ فِيهِ عَنْ أَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ، وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي طَهَارَتِهِ، فَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْمَسْلَمَةِ، إلَى طَهَارَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُسْتَجْمِرُ يَعْرَقُ فِي سَرَاوِيلِهِ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَنَجَّسَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، فِي الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ: إنَّهُمَا لَا يَطْهُرَانِ» . مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَهُمَا يَطْهُرُ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُزِيلُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ، فَيُزِيلُهَا كَالْمَاءِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ: لَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ، بَلْ هُوَ نَجِسٌ، فَلَوْ قَعَدَ الْمُسْتَجْمِرُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ نَجَّسَهُ، وَلَوْ عَرِقَ كَانَ عَرَقُهُ نَجِسًا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُزِيلُ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ كُلَّهَا، فَالْبَاقِي مِنْهَا نَجِسٌ، لِأَنَّهُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وُجِدَ فِي الْمَحَلِّ وَحْدَهُ.

الثَّانِي: أَسْفَلُ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ، إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ، فَدَلَكَهَا بِالْأَرْضِ حَتَّى زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهُنَّ، يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالْأَرْضِ، وَتُبَاحُ الصَّلَاةُ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الْأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ» . وَفِي لَفْظٍ: «إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ» . وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى، فَلْيَمْسَحْهُ، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» . وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ.

قَالَ أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ: سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّعْلَ لَا تَخْلُو مِنْ نَجَاسَةٍ تُصِيبُهَا، فَلَوْ لَمْ يُجْزِئْ دَلْكُهَا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهَا. وَالثَّانِيَةُ، يَجِبُ غَسْلُهُ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ؛ فَإِنَّ الدَّلْكَ لَا يُزِيلُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ. وَالثَّالِثَةُ يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا؛ لِتَغَلُّظِ نَجَاسَتِهِمَا وَفُحْشِهِمَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْأَثَرِ وَاجِبٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>