الْخُرُوجُ، كَمَا لَوْ وَجَدَ الرَّقَبَةَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالصِّيَامِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى إبْطَالِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ إبْطَالِهَا، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
دَلَّ بِمَفْهُومِهِ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَهُورًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَبِمَنْطُوقِهِ عَلَى وُجُوبِ إمْسَاسِهِ جِلْدَهُ عِنْدَ وُجُودِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ، كَالْخَارِجِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فَبَطَلَتْ بِزَوَالِ الضَّرُورَةِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا. يُحَقِّقُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْمُتَيَمِّمِ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ كَوْنِهِ مُحْدِثًا؛ لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ زَالَتْ الضَّرُورَةُ، فَظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ كَالْأَصْلِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ؛ فَإِنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْبَدَلُ نَفْسُهُ، فَنَظِيرُهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهِ. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُدَّةَ الصِّيَامِ تَطُولُ، فَيَشُقُّ الْخُرُوجُ مِنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ فَرْضَيْنِ شَاقَّيْنِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْمَاءَ قَرِيبٌ، وَآلَتَهُ صَحِيحَةٌ، وَالْمَوَانِعَ مُنْتَفِيَةٌ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ إبْطَالِ الصَّلَاةِ. قُلْنَا: لَا يَحْتَاجُ إلَى إبْطَالِ الصَّلَاةِ، بَلْ هِيَ تَبْطُلُ بِزَوَالِ الطَّهَارَةِ، كَمَا فِي نَظَائِرِهَا. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَتَى خَرَجَ فَتَوَضَّأَ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ. وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا، كَاَلَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ، وَقَدْ فَاتَتْ بِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ، فَلَا يَجُوزُ بَقَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ فَوَاتِ شَرْطِهَا، وَلَا يَجُوزُ بَقَاءُ مَا مَضَى صَحِيحًا مَعَ خُرُوجِهِ مِنْهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا. وَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ انْبَنَى عَلَى طَهَارَةٍ ضَعِيفَةٍ هَاهُنَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ، كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، بِخِلَافِ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ.
[فَصْل الْمُصَلِّي بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ إذَا وَجَدَ مَاءً فِي الصَّلَاةِ أَوْ تُرَابًا]
(٣٨٤) فَصْلٌ: وَالْمُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، وَلَا تَيَمُّمٍ، إذَا وَجَدَ مَاءً فِي الصَّلَاةِ، أَوْ تُرَابًا خَرَجَ مِنْهَا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَرَّجَ فِيهَا مِثْلُ مَا فِي التَّيَمُّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ؛ إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ، فَأَشْبَهَتْ السُّتْرَةَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا، فَصَلَّى عُرْيَانًا، ثُمَّ وَجَدَ السُّتْرَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ قَرِيبًا مِنْهُ، وَكُلُّ صَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا إذَا زَالَ الْعُذْرُ، وَيَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُهَا. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا، فَإِنَّهَا تُشْبِهُ صَلَاةَ الْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْقَوْلِ فِيهَا
[فَصْل يَمَّمَ الْمَيِّتَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ]
(٣٨٥) فَصْلٌ: وَلَوْ يَمَّمَ الْمَيِّتَ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ مُمْكِنٌ، غَيْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute