للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَدَّ مُكَاتَبًا فِي الرِّقِّ، فَأَمْسَكَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ. وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ، كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، وَأَمَّا الْغَازِي، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ، بِقَدْرِ مَا يَكْفِيه لِغَزْوِهِ، وَأَمَّا الْغَارِمُ، فَإِنْ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَهُوَ كَالْغَازِي، يَأْخُذُ لِحَاجَتِنَا، وَإِنْ غَرِمَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، فَهُوَ كَمَسْأَلَتِنَا، لَا يَرُدُّهُ.

[فَصْلٌ مَا أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ إلَى سَيِّدِهِ قَبْلَ عَجْزِهِ]

(٨٨٢٩) فَصْلٌ: وَأَمَّا مَا أَدَّاهُ إلَى سَيِّدِهِ قَبْلَ عَجْزِهِ، فَلَا يَجِبُ رَدُّهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ صَرَفَهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي أَخَذَهُ لَهَا، وَثَبَتَ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا، فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ، وَيُفَارِقُ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهِ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا، وَالْخِلَافُ فِي ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ.

وَمَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ، لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ بِهِ، سَوَاءٌ عَجَزَ أَوْ أَدَّى؛ لِأَنَّ مَالَهُ تَلِفَ فِي يَدِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ مَا فِي يَدِ سَائِرِ أَصْنَافِ الصَّدَقَةِ.

وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا وَعَجَزَ، وَالْعَرْضُ فِي يَدِهِ، فَفِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مِثْلُ مَا لَوْ وُجِدَ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ عِوَضُهُ، وَقَائِمٌ مَقَامَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أُعْطِيَ الْغَازِي مِنْ الصَّدَقَةِ مَا اشْتَرَى بِهِ فَرَسًا وَسِلَاحًا، ثُمَّ فَضَلَ ذَلِكَ عَنْ حَاجَتِهِ.

[فَصْلٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْأَدَاءِ]

(٨٨٣٠) فَصْلٌ: وَمَوْتُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَعَجْزِهِ، فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ يَأْخُذُ مَا فِي يَدِهِ قَبْلَ حُصُولِ مَقْصُودِ الْكِتَابَةِ.

وَإِنْ أَدَّى، وَبَقِيَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، فَحُكْمُهُ فِي رَدِّهِ أَوْ أَخْذِهِ لِنَفْسِهِ، حُكْمُ سَيِّدِهِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عَجْزِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يُؤَدِّهِ فِي كِتَابَتِهِ، بَقِيَ بَعْدَ زَوَالِهَا.

وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَدَانَ مَا أَدَّاهُ فِي الْكِتَابَةِ، وَبَقِيَ عَنَدَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ، فَأَشْبَهَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي أَدَائِهَا.

[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى الْمُكَاتِبَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ]

(٨٨٣١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ، صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ، وَبَطَلَ شِرَاءُ الْآخَرِ. لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لِلْعَبِيدِ، وَالْمُكَاتَبَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا. فَإِذَا اشْتَرَى أَحَدُ الْمُكَاتَبَيْنِ الْآخَرَ، صَحَّ شِرَاؤُهُ، وَمِلْكُهُ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَسَوَاءٌ كَانَا مُكَاتَبَيْنِ لَسَيِّدٍ وَاحِدٍ، أَوْ لِسَيِّدَيْنِ.

فَإِذَا عَادَ الثَّانِي، فَاشْتَرَى الَّذِي اشْتَرَاهُ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُهُ وَمَالِكُهُ، وَلَيْسَ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَمْلِكَ مَالِكَهُ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَنَاقُضِ الْأَحْكَامِ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَنَا سَيِّدُكَ، وَلِي عَلَيْكَ مَالُ الْكِتَابَةِ تُؤَدِّيهِ إلَيَّ، وَإِنْ عَجَزْتَ فَلِي فَسْخُ كِتَابَتِكَ، وَرَدُّكَ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ رَقِيقًا لِي. وَهَذَا تَنَاقُضٌ، وَإِذَا تَنَافَى أَنْ تَمْلِكَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِلْكَ الْيَمِينِ؛ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ هَذَا، لَتَقَاصَّ الدَّيْنَانِ إذَا تَسَاوَيَا، وَعَتَقَا جَمِيعًا. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَشِرَاءُ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ، وَالْمَبِيعُ هَاهُنَا بَاقٍ عَلَى كِتَابَتِهِ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>