لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] . وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَقَالَ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] . وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْبُدْنَ، وَذَبَحَ الْغَنَمَ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الْأَحْكَامُ مِنْ جِهَتِهِ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْإِبِلِ إلَّا النَّحْرُ؛ لِأَنَّ أَعْنَاقَهَا طَوِيلَةٌ، فَإِذَا ذُبِحَ تَعَذَّبَ بِخُرُوجِ رُوحِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إنَّمَا كَرِهَهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُمْرُرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» . وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ. وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً» . وَلِأَنَّهُ ذَكَاةٌ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ، فَجَازَ أَكْلُهُ، كَالْحَيَوَانِ الْآخَرِ.
[مَسْأَلَةٌ ذَبَحَ فَأَتَى عَلَى الْمَقَاتِل فَلَمْ تَخْرُج الرُّوحُ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ أَوْ وَطِئَ عَلَيْهَا شَيْءٌ]
(٧٧٦٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا ذَبَحَ فَأَتَى عَلَى الْمَقَاتِلَ، فَلَمْ تَخْرُجْ الرُّوحُ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهَا شَيْءٌ، لَمْ تُؤْكَلْ) . يَعْنِي إذَا وَطِئَ عَلَيْهَا شَيْءٌ يَقْتُلُهَا مِثْلُهُ غَالِبًا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا يَحْرُمُ بِهَذَا. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهَا إذَا ذُبِحَتْ فَقَدْ صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُبِينَ رَأْسُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ، لَمْ تَحْرُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَلَوْ ذُبِحَ إنْسَانٌ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ أَوْ غَرَّقَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ.
وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: «وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ» . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ رَمَى طَائِرًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ، فَغَرِقَ فِيهِ، فَلَا تَأْكُلْهُ. وَلِأَنَّ الْغَرَقَ سَبَبٌ يَقْتُلُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الذَّبْحِ، فَقَدْ اجْتَمَعَ مَا يُبِيحُ وَيُحَرِّمُ، فَيُغَلَّبُ الْحَظْرُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُعِينَ عَلَى خُرُوجِ الرُّوحِ، فَتَكُونَ قَدْ خَرَجَتْ بِفِعْلَيْنِ مُبِيحٍ وَمُحَرِّمٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ رَمَاهُ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ فَمَاتَ.
[مَسْأَلَةٌ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا وَهُوَ مُخْطِئٌ فَأَتَتْ السِّكِّينُ عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ]
(٧٧٦٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا، وَهُوَ مُخْطِئٌ، فَأَتَتْ السِّكِّينُ عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا، وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ، أُكِلَتْ) قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى الْخَطَأِ أَنْ تَلْتَوِيَ الذَّبِيحَةُ عَلَيْهِ، فَتَأْتِيَ السِّكِّينُ عَلَى الْقَفَا؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْتِوَائِهَا مَعْجُوزٌ عَنْ ذَبْحِهَا، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَحَلِّ، كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ، فَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْتِوَائِهَا، فَلَا تُبَاحُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ فِي الْقَفَا سَبَبٌ لِلزَّهُوقِ، وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الذَّبْحِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الذَّبْحِ، مُنِعَ حِلُّهُ، كَمَا لَوْ بَقَرَ بَطْنَهَا.
وَقَدْ رُوِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute