للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحْدَهَا دُونَ الْبَاقِيَاتِ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالْعَجْزِ عَنْ وَطْئِهَا، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّهَا لَا يَزُولُ بِوَطْءِ غَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: كَيْفَ يَصِحُّ عَجْزُهُ عَنْ وَاحِدَةٍ دُونَ أُخْرَى؟ قُلْنَا: قَدْ تَنْهَضُ شَهْوَتُهُ فِي حَقِّ إحْدَاهُمَا، لِفَرْطِ حُبِّهِ إيَّاهَا، وَمَيْلِهِ إلَيْهَا، وَاخْتِصَاصِهَا بِجَمَالٍ وَنَحْوِهِ دُونَ الْأُخْرَى. فَعَلَى هَذَا، لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَصَابَهَا، ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَعَنَّ عَنْهَا، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَعِنَّ عَنْ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى، فَفِي نِكَاحٍ دُون نِكَاحٍ أَوْلَى. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ: لَا يَصِحُّ هَذَا، بَلْ مَتَى وَطِئَ مَرَّةً، لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ أَبَدًا.

[مَسْأَلَة إنْ جُبَّ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي وَقْتِهَا]

(٥٥٤٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِنْ جُبَّ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي وَقْتِهَا كَأَنَّ الْخِرَقِيِّ أَرَادَ: إذَا ضُرِبَتْ لَهُ الْمُدَّةُ فَلَمْ يُصِبْهَا حَتَّى جُبَّ، ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْحَالِ. لِأَنَّنَا نَنْتَظِرُ الْحَوْلَ لِنَعْلَمَ عَجْزَهُ، وَقَدْ عَلِمْنَاهُ هَاهُنَا يَقِينًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِظَارِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّ سَائِرَ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ، يَثْبُتُ بِهَا الْخِيَارُ؛ فَإِنَّ الْخِيَارَ هَاهُنَا إنَّمَا ثَبَتَ بِالْجَبِّ الْحَادِثِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ يَثْبُتُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نَتَيَقَّنْ عُنَّتَهُ، وَالْجَبُّ حَادِثٌ، فَلَمَّا ثَبَتَ الْفَسْخُ بِهِ، عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الْفَسْخَ هَاهُنَا بِالْجَبِّ الْحَادِثِ؛ لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ مَقْصُودَ الْعُنَّةِ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْوَطْءِ، وَمُحَقِّقٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ]

(٥٥٤٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا، وَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ، أُرِيَتْ النِّسَاءَ الثِّقَاتِ، فَإِنْ شَهِدْنَ بِمَا قَالَتْ، أُجِّلَ سَنَةً وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ عُنَّةَ زَوْجِهَا، فَزَعَمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا، وَقَالَتْ: إنَّهَا عَذْرَاءُ. أُرِيَتْ النِّسَاءَ، فَإِنْ شَهِدْنَ بِعُذْرَتِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَيُؤَجَّلُ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ

وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُزِيلُ عُذْرَتَهَا، فَوُجُودُهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ عُذْرَتَهَا عَادَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، وَإِنْ كَانَ مُتَصَوَّرًا. وَهَلْ تُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، تُسْتَحْلَفُ؛ لِإِزَالَةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، كَمَا يُسْتَحْلَفُ سَائِرُ مَنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَالْآخَرُ، لَا تُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّ مَا يَبْعُدُ جِدًّا لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ، كَاحْتِمَالِ كَذِبِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَكَذِبِ الْمُقِرِّ فِي إقْرَارِهِ

وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ قَبْلَ ضَرْبِ الْأَجَلِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ بَعْد ضَرْب الْمُدَّةِ، وَشَهِدَ النِّسَاءُ بِعُذْرَتِهَا، لَمْ تَنْقَطِع الْمُدَّةُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مِنْ اعْتَرَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>