للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ، وَلَا يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَإِنْ وُهِبَ لَهُ أَبُوهُ، عَتَقَ، وَوَرِثَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ وَرِثَهُ

وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ، لَمْ يُعْتَقْ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَقْ بِالْمِلْكِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْإِعْتَاقِ بِالْقَوْلِ، بِدَلِيلِ نُفُوذِهِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَنْفُذَ بِالْقَوْلِ.

[فَصْلٌ مِلْك الْمَرِيض مَنْ يَرِثُهُ مِمَّنْ لَا يُعْتِق عَلَيْهِ كَابْنِ عَمّه فَأَعْتَقَهُ فِي مَرَضه]

(٤٧٠٢) فَصْلٌ: وَإِنْ مَلَكَ الْمَرِيضُ مَنْ يَرِثُهُ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، كَابْنِ عَمِّهِ، فَأَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ، كَانَ إعْتَاقُهُ وَصِيَّةً مُعْتَبَرَةً مِنْ الثُّلُثِ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَعَ بَيْنَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ مَالِكُهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ، فَاعْتُبِرَ عِتْقُهُمْ مِنْ الثُّلُثِ. فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْمُعْتَقِ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَرِيضٍ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ فِي مَرَضِهِ، فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ، عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ.

لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَكَانَ إقْرَارُهُ لِوَارِثٍ، فَلَا يُقْبَلُ، فَيُؤَدِّي تَوْرِيثُهُ إلَى إبْطَالِ عِتْقِهِ، ثُمَّ يَبْطُلُ مِيرَاثُهُ، فَكَانَ إعْتَاقُهُ مِنْ غَيْرِ تَوْرِيثٍ أَوْلَى. وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْقَاضِي، أَنَّهُ يُعْتَقُ وَيَرِثُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ حِينَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، لَيْسَ بِقَاتِلٍ، وَلَا مُخَالِفٍ لِدِينِهِ، وَيَرِثُ، كَمَا لَوْ وَرِثَهُ. وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. وَلَا يَرِثُ، عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، يَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ.

[فَصْلٌ مَا لَزِمَ الْمَرِيضَ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَإِسْقَاطُهُ]

(٤٧٠٣) فَصْلٌ: وَمَا لَزِمَ الْمَرِيضَ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَإِسْقَاطُهُ، كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَجِنَايَةِ عَبْدِهِ، وَمَا عَاوَضَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ جَائِزٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لِمَالِهِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ، فَيُقَدَّمُ بِذَلِكَ عَلَى وَارِثِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً يَسْتَمْتِعُ بِهَا، كَثِيرَةَ الثَّمَنِ، بِثَمَنِ مِثْلِهَا، أَوْ اشْتَرَى مِنْ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي لَا يَأْكُلُ مِثْلُهُ مِنْهَا جَازَ، وَصَحَّ شِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لِمَالِهِ فِي حَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، قُدِّمَ بِذَلِكَ عَلَى وَارِثِهِ

؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] .

[فَصْلٌ قَضَى الْمَرِيض بَعْض غُرَمَائِهِ وَوَفَتْ تَرَكَتْهُ بِسَائِرِ الدُّيُون]

(٤٧٠٤) فَصْلٌ فَأَمَّا إنْ قَضَى الْمَرِيضُ بَعْضَ غُرَمَائِهِ، وَوَفَّتْ تَرِكَتُهُ بِسَائِرِ الدُّيُونِ صَحَّ قَضَاؤُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ، وَمُشَارَكَتَهُ فِيمَا أَخَذَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ تَعَلَّقَتْ بِمَالِهِ بِمَرَضِهِ، فَمَنَعَتْ تَصَرُّفَهُ فِيهِ بِمَا يَنْقُصُ دُيُونَهُمْ، كَتَبَرُّعِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى بِقَضَاءِ بَعْضِ دُيُونِهِ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَلِكَ إذَا قَضَاهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>