للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ]

(٢٥٥٧) مَسْأَلَة: قَالَ: (ثُمَّ قَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يَعْنِي إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ، حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ سِوَى النِّسَاءِ، فَهَذَا الطَّوَافُ حَلَّلَ لَهُ النِّسَاءَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْر، فَأَفَاضَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ» .

وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي حُصُولِ الْحِلِّ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ، وَأَنَّهُ كَانَ قَدْ سَعَى مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَسْعَى، إنْ قُلْنَا: إنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ سُنَّةٌ. فَهَلْ يَحِلُّ قَبْلَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا، يَحِلُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ وَاجِبَاتِهِ. وَالثَّانِي، لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَيَأْتِي بِهِ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ، كَالسَّعْيِ فِي الْعُمْرَةِ. وَإِنَّمَا خَصَّ الْخِرَقِيِّ الْمُفْرِدَ وَالْقَارِنَ بِهَذَا، لِكَوْنِهِمَا سَعَيَا مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَالْمُتَمَتِّعُ لَمْ يَسْعَ.

[مَسْأَلَةٌ طَوَافُ الْقُدُومِ]

(٢٥٥٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، كَمَا فَعَلَ لِلْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافًا يَنْوِي بِهِ الزِّيَارَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] .) أَمَّا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ، الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا، فَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالطَّوَافُ الَّذِي طَافَهُ فِي الْعُمْرَةِ كَانَ طَوَافَهَا، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ مَسْنُونٌ لِلْمُتَمَتِّعِ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِذَا رَجَعَ إلَى مِنًى أَعْنِي الْمُتَمَتِّع كَمْ يَطُوفُ وَيَسْعَى؟ قَالَ: يَطُوفُ وَيَسْعَى لِحَجِّهِ، وَيَطُوفُ طَوَافًا آخَرَ لِلزِّيَارَةِ.

عَاوَدْنَاهُ فِي هَذَا غَيْرَ مَرَّةٍ، فَثَبَتَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ، إذَا لَمْ يَكُونَا أَتَيَا مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا طَافَا لِلْقُدُومِ، فَإِنَّهُمَا يَبْدَآنِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، فَطَافُوا طَوَافًا، آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. فَحَمَلَ أَحْمَدُ قَوْلَ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُمْ لِحَجِّهِمْ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ مَشْرُوعٌ، فَلَمْ يَكُنْ تَعَيُّنُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مُسْقِطًا لَهُ، كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَى هَذَا الطَّوَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ، بَلْ الْمَشْرُوعُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِلزِّيَارَةِ، كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.

وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>