للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَالُ الثَّانِي الْعَاجِزُ عَنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ كُلِّهِمْ، فَإِنَّهُ يُرَدِّدُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ حَتَّى تَتِمَّ عَشَرَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا وَاحِدًا، رَدَّدَ عَلَيْهِ، تَتِمَّةَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ وَجَدَ اثْنَيْنِ، رَدَّدَ عَلَيْهِمَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى هَذَا وَنَحْوُ هَذَا. قَالَ الثَّوْرِيِّ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يُجْزِئُهُ إلَّا كَمَالُ الْعَدَدِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَالِ الْقُدْرَةِ. وَلَنَا، أَنَّ تَرْدِيدَ الْإِطْعَامِ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فِي مَعْنَى إطْعَامِ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْحَاجَةَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَطْعَمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدًا، وَالشَّيْءُ بِمَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ بِصُورَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا، وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْأَبْدَالُ؛ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُبْدَلَاتِ فِي الْمَعْنَى، وَلَا يُجْتَزَأُ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُبْدَلَاتِ، كَذَا هَاهُنَا.

[فَصْلٌ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا حَتَّى أَكْمَلَ الْعَشَرَةَ فِي كَفَّارَة الْيَمِينِ]

(٨٠٢٨) فَصْل: وَإِنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، حَتَّى أَكْمَلَ الْعَشَرَةَ، أَجْزَأَهُ، بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَقَدْ أَطْعَمَهُمْ. وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ يَظُنُّهُ مِسْكِينًا، فَبَانَ غَنِيًّا، فَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يُجْزِئُهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْعِمْ الْمَسَاكِينَ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ عَلِمَ.

وَالثَّانِي، يُجْزِئُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى مَنْ يَظُنُّهُ مِسْكِينًا، وَظَاهِرُهُ الْمَسْكَنَةُ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَقْرَ يَخْفَى، وَتَشُقُّ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: ٢٧٣] فَوَجَبَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِظُهُورِهِ وَظَنِّهِ، وَكَذَلِكَ لَمَّا سَأَلَ الرَّجُلَانِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّدَقَةِ، قَالَ: «إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا مِنْهَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» .

وَإِنْ بَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَجْهًا وَاحِدًا، كَقَوْلِنَا فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكَادُ يَخْفَى، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَظِنَّةِ الْخَفَاءِ فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ الْإِمَامَ، فَأَخْطَأَ فِي الْفَقْرِ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، فَهَلْ يَضْمَنُ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى خَطَئِهِ فِي الْحَدِّ.

[فَصْلٌ أَطْعَمَ مِسْكِينًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ]

(٨٠٢٩) فَصْلٌ: إذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>