للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي بِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُكِرَ لَهُ النَّبِيذُ يُصْنَعُ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: «إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» .

[فَصْلٌ حُكْمُ أَكْلِ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي فِيهَا الدُّودُ وَالسُّوسُ]

(٧٨٢٥) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَكْلُ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي فِيهَا الدُّودُ وَالسُّوسُ، كَالْفَوَاكِهِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْحُبُوبِ، وَالْخَلِّ إذَا لَمْ تَقْذَرْهُ نَفْسُهُ، وَطَابَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْ ذَلِكَ يَشُقُّ. وَيَجُوزُ أَكْلُ الْعَسَلِ بِقَشِّهِ وَفِيهِ فِرَاخٌ؛ لِذَلِكَ، وَإِنْ نَقَّاهُ فَحَسَنٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أُتِيَ بِتَمْرٍ عَتِيقٍ، فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ، وَيُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ، وَيُنَقِّيهِ. وَهَذَا أَحْسَنُ.

[مَسْأَلَةٌ لَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ إذَا رُمِيَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ]

(٧٨٢٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ إذَا رُمِيَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ إذَا عُلِمَ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا قَتَلَهُ السُّمُّ مُحَرَّمٌ، وَمَا قَتَلَهُ السَّهْمُ وَحْدَهُ مُبَاحٌ، فَإِذَا مَاتَ بِسَبَبٍ مُبِيحٍ وَمُحَرِّمٍ، حَرُمَ، كَمَا لَوْ مَاتَ بِرَمْيَةِ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ، أَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ كَلْبٌ مُعَلَّمٌ وَغَيْرُهُ، أَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا لَا يَعْرِفُ، أَوْ رَمَى صَيْدًا بِسَهْمٍ، فَوَجَدَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ السُّمَّ لَمْ يُعِنْ عَلَى قَتْلِهِ؛ لِكَوْنِ السَّهْمِ أَوْحَى مِنْهُ، فَهُوَ مُبَاحٌ، لِانْتِفَاءِ الْمُحَرِّمِ.

[مَسْأَلَةٌ حُكْمُ مَا كَانَ مَأْوَاهُ الْبَحْرُ وَهُوَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ]

(٧٨٢٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَا كَانَ مَأْوَاهُ الْبَحْرُ، وَهُوَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ، لَمْ يُؤْكَلْ إذَا مَاتَ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ) كُلُّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ، لَا يَحِلُّ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ، كَطَيْرِ الْمَاءِ، وَالسُّلَحْفَاةِ، وَكَلْبِ الْمَاءِ، إلَّا مَا لَا دَمَ فِيهِ، كَالسَّرَطَانِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ.

قَالَ أَحْمَدُ: السَّرَطَانُ لَا بَأْسَ بِهِ. قِيلَ لَهُ: يُذْبَحُ؟ قَالَ: لَا. وَذَلِكَ لِأَنَّ مَقْصُودَ الذَّبْحِ إنَّمَا هُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ مِنْهُ، وَتَطْيِيبُ اللَّحْمِ بِإِزَالَتِهِ عَنْهُ، فَمَا لَا دَمَ فِيهِ، لَا حَاجَةَ إلَى ذَبْحِهِ. وَأَمَّا سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا، فَلَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يُذْبَحَ. قَالَ أَحْمَدُ: كَلْبُ الْمَاءِ يَذْبَحُهُ، وَلَا أَرَى بَأْسًا بِالسُّلَحْفَاةِ إذَا ذَبَحَ، وَالرَّقُّ يَذْبَحُهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَحِلُّ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .

وَلِأَنَّهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، فَأُبِيحَ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ كَالسَّمَكِ وَالسَّرَطَانِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُلُّ مَا فِي الْبَحْرِ قَدْ ذَكَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُرَيْحٍ رَجُلٍ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ.» وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ ذَبَحَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ لِابْنِ آدَمَ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>