للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٨٣٩٣) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ فِي الْحَدِّ، وَفِي الْقِصَاصِ احْتِمَالَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْأَمْوَالَ. وَالثَّانِي، لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ بَدَنِيَّةٌ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَأَشْبَهَ الْحَدَّ، وَذَكَرِ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي الْعُقُوبَاتِ كُلِّهَا مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، تُقْبَلُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ رَجُلٌ عَدْلٌ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا، كَالْحُرِّ. وَالثَّانِيَةُ، لَا تُقْبَلُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي الْأَمْوَالِ نَقْصٌ وَشُبْهَةٌ، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيمَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ نَاقِصُ الْحَالِ، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِي الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، كَالْمَرْأَةِ.

[فَصَلِّ فِي شَهَادَةَ الْأَمَةِ]

(٨٣٩٤) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: شَهَادَةُ الْأَمَةِ جَائِزَةٌ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ فِي الْمَالِ أَوْ سَبَبِهِ، وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ فِيمَا عَدَاهُمَا، فَسَاوَتْهُنَّ فِي الشَّهَادَةِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ.

[فَصْل شَهَادَة الْمُكَاتَب وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ]

فَصْلٌ: وَحُكْمُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، حُكْمُ الْقِنِّ، فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُكَاتَبِ.، وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَبْدِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْقِنِّ، فَفِي هَؤُلَاءِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ أَكْمَلُ مِنْهُ، لِوُجُودِ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمْ.

[مَسْأَلَة شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى]

(٨٣٩٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَشَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ، فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الزِّنَى وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي مَنْ فَعَلَ قَبِيحًا، أَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ نُظَرَاءُ. وَحُكِيَ عَنْ عُثْمَانَ، أَنَّهُ قَالَ: وَدَّتْ الزَّانِيَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ زَنَيْنَ.

وَلَنَا، عُمُومُ الْآيَاتِ، وَأَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الزِّنَى، فَقُبِلَ فِي الزِّنَى كَغَيْرِهِ، وَمَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْقَتْلِ، قُبِلَتْ فِي الزِّنَى، كَوَلَدِ الرِّشْدَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَمَا احْتَجُّوا بِهِ غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّ وَلَدَ الزِّنَى لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا قَبِيحًا، يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ نُظَرَاءُ فِيهِ. وَالثَّانِي، أَنَّنِي لَا أَعْلَمُ مَا ذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ ثَابِتًا عَنْهُ، وَأَشْبَهُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ ثَابِتًا عَنْهُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُطْلِقَ عُثْمَانُ كَلَامًا بِالظَّنِّ عَنْ ضَمِيرِ امْرَأَةٍ لَمْ يَسْمَعْهَا تَذْكُرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>