عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَلِأَنَّ مِنْ وَرِثَ الدِّيَةَ وَرِثَ الْقِصَاصَ كَالْعُصْبَةِ، فَإِذَا عَفَا بَعْضُهُمْ، صَحَّ عَفْوُهُ، كَعَفْوِهِ عَنْ سَائِرِ حُقُوقِهِ، وَزَوَالُ الزَّوْجِيَّةِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْقِصَاصِ، كَمَا لَمْ يَمْنَعْ اسْتِحْقَاقَ الدِّيَةِ، وَسَائِرِ حُقُوقِهِ الْمَوْرُوثَةِ. وَمَتَى ثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْن جَمِيعِهِمْ، سَقَطَ بِإِسْقَاطِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْقَاطِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مِنْهُ لَهُ، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، فَإِذَا سَقَطَ سَقَطَ جَمِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَبَعَّضُ، كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ لَا يَتَبَعَّضُ، مَبْنَاهُ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ، فَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ، سَرَى إلَى الْبَاقِي كَالْعِتْقِ، وَالْمَرْأَةُ أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهَا كَالرَّجُلِ.
وَمَتَى عَفَا أَحَدُهُمْ، فَلِلْبَاقِينَ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ إلَى الدِّيَةِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَلَا أَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا مِمَّنْ قَالَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّهُ مِنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، فَثَبَتَ لَهُ الْبَدَلُ كَمَا لَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ بَعْضَ دَمِهِ أَوْ مَاتَ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ خَبَرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
[فَصْلٌ قَتَلَهُ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَعْفُ عَالِمًا بِعَفْوِ شَرِيكِهِ وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ]
(٦٧٥١) فَصْلٌ: فَإِنْ قَتَلَهُ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَعْفُ عَالِمًا بِعَفْوِ شَرِيكِهِ، وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: لَهُ قَوْلٌ آخَرُ، لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شُبْهَةً، لِوُقُوعِ الْخِلَافِ وَلَنَا. أَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا مُكَافِئًا لَهُ عَمْدًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِالْعَفْوِ حَاكِمٌ، وَالِاخْتِلَافُ لَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ، قَتَلْنَاهُ، بِهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي قَتْلِهِ. وَأَمَّا إنْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَفْوِ، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ عَمْدٌ عُدْوَانٌ لِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي قَتْلِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ قَتَلَهُ مُعْتَقِدًا ثُبُوتَ حَقِّهِ فِيهِ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ قِصَاصٌ، كَالْوَكِيلِ إذَا قَتَلَ بَعْدَ عَفْوِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَفْوِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ حَكَمَ بِالْعَفْوِ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَوْجُودَةٌ مَعَ انْتِفَاءِ الْعِلْمِ مَعْدُومَةٌ عِنْدَ وُجُودِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَتَى قَتَلَهُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، عَلِمَ بِالْعَفْوِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَمَتَى حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ؛ إمَّا لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا، وَإِمَّا لِلْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْهَا مَا قَابَلَ حَقَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ قِصَاصًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَفَا إلَى غَيْرِ مَالٍ، فَالْوَاجِبُ لِوَرَثَةِ الْقَاتِلِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَفَا إلَى الدِّيَةِ، فَالْوَاجِبُ لِوَرَثَةِ الْقَاتِلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute