وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَدَمَ مَسْتُورٌ بِمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، فَجَازَ الْمَسْحُ كَمَا لَوْ كَانَ السُّفْلَانِيُّ مَكْشُوفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ لِفَافَةٌ، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا عَلَى التَّحْتَانِيِّ؛ لِأَنَّ الْفَوْقَانِيَّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مُفْرَدًا، فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِ، كَاَلَّذِي تَحْتَهُ لِفَافَةٌ، وَإِنْ لَبِسَ مُخَرَّقًا عَلَى مُخَرَّقٍ، فَاسْتَتَرَ الْقَدَمُ بِهِمَا، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْقَدَمَ مَسْتُورٌ بِالْخُفَّيْنِ، فَأَشْبَهَ الْمَسْتُورَ بِالصَّحِيحَيْنِ، أَوْ صَحِيحٍ وَمُخَرَّقٍ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْقَدَمَ لَمْ يَسْتَتِرْ بِخُفٍّ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا
[فَصْل لَبِسَ الْخُفَّ بَعْدَ طَهَارَةٍ]
(٤٠٨) فَصْلٌ: وَإِنْ لَبِسَ الْخُفَّ بَعْدَ طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى الْعِمَامَةِ، أَوْ الْعِمَامَةَ بَعْدَ طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى الْخُفِّ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ مَمْسُوحٍ فِيهَا عَلَى بَدَلٍ، فَلَمْ يَسْتَبِحْ الْمَسْحَ بِاللُّبْسِ فِيهَا، كَمَا لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى خُفٍّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ جَوَازَ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْخُفِّ الْمَلْبُوسِ عَلَى خُفٍّ مَمْسُوحٍ عَلَيْهِ.
[فَصْل لَبِسَ الْجَبِيرَةَ عَلَى طَهَارَةٍ]
(٤٠٩) فَصْلٌ: وَإِنْ لَبِسَ الْجَبِيرَةَ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى خُفٍّ أَوْ عِمَامَةٍ، وَقُلْنَا لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ، جَازَ الْمَسْحُ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ اشْتَرَطْنَا لَهَا الطَّهَارَةَ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَالْعِمَامَةِ الْمَلْبُوسَةِ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى الْخُفِّ، وَاحْتَمَلَ جَوَازَ الْمَسْحِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ مَسْحَهَا عَزِيمَةٌ، وَإِنْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى الْجَبِيرَةِ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا عَزِيمَةٌ؛ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ نَاقِصَةً فَهُوَ لِنَقْصٍ لَمْ يَزَلْ، فَلَمْ يَمْنَعْ جَوَازَ الْمَسْحِ، كَنَقْصِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ قَبْلَ زَوَالِ عُذْرِهَا. وَإِنْ لَبِسَ الْجَبِيرَةَ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى الْجَبِيرَةِ، جَازَ الْمَسْحُ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ
[مَسْأَلَة مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]
(٤١٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ) . قَالَ أَحْمَدُ: التَّوْقِيتُ مَا أَثْبَتَهُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. قِيلَ لَهُ: تَذْهَبُ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهُوَ مِنْ وُجُوهٍ. وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَشُرَيْحٌ، وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يَمْسَحُ مَا بَدَا لَهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُسَافِرِ. وَلَهُ فِي الْمُقِيمِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا يَمْسَحُ، مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ.
وَالثَّانِيَةُ لَا يَمْسَحُ؛ لِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ عُمَارَةَ، «قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: يَوْمًا؟ قَالَ: وَيَوْمَيْنِ قُلْت: وَثَلَاثَةً؟ قَالَ: وَمَا شِئْت» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute