للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَيْضًا، قَالَ: «جَاءَ بِلَالٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرٍ بَرْنِيِّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِنْ أَيْنَ هَذَا يَا بِلَالُ؟ . قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْت صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِيُطْعِمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إنْ أَرَدْت أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ.

وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ» مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسَيْنِ.

[مَسْأَلَةٌ مَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ]

(٢٧٩٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُلُّ مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ، فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ إذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا) قَوْلُهُ: " مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ ". يَعْنِي مِنْ جَمِيعِهَا. وَضَعَ سَائِرَ مَوْضِعَ جَمِيعٍ تَجَوُّزًا، وَمَوْضُوعُهَا الْأَصْلِيُّ لِبَاقِي الشَّيْءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرِّبَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَمِنْ أَتَمَّهَا مَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَهَذِهِ الْأَعْيَانُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا يَثْبُتُ الرِّبَا فِيهَا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا سِوَاهَا، فَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَصَرَا الرِّبَا عَلَيْهَا، وَقَالَا: لَا يَجْرِي فِي غَيْرِهَا. وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَنُفَاة الْقِيَاسِ، وَقَالُوا: مَا عَدَاهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] . وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ الرِّبَا فِيهَا بِعِلَّةٍ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي كُلِّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ عِلَّتُهَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، فَيَجِبُ اسْتِخْرَاجُ عِلَّةِ هَذَا الْحُكْمِ، وَإِثْبَاتُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وُجِدَتْ عِلَّتُهُ فِيهِ.

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] . يَقْتَضِي تَحْرِيمَ كُلِّ زِيَادَةٍ، إذْ الرِّبَا فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ، إلَّا مَا أَجْمَعْنَا عَلَى تَخْصِيصِهِ. وَهَذَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرُوهُ. ثُمَّ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَجْرِي إلَّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، إلَّا سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْئَيْنِ يَتَقَارَبُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا، كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالزَّبِيبِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>