للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَسَعِيدُ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا يُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ أَكْمَلُ مِنْ النِّسَاءِ؛ وَلَا يُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، فَالنِّسَاءُ أَوْلَى. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ مَقْبُولَةٌ، وَتُسْتَحْلَفُ مَعَ شَهَادَتِهَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ، فِي امْرَأَةٍ زَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْ رَجُلًا وَأَهْلَهُ، فَقَالَ: إنْ كَانَتْ مُرْضِيَةً، اُسْتُحْلِفَتْ، وَفَارَقَ امْرَأَتَهُ. وَقَالَ: إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ حَتَّى يَبْيَضَّ ثَدْيَاهَا. يَعْنِي يُصِيبُهَا فِيهَا بَرَصٌ، عُقُوبَةً عَلَى كَذِبِهَا. وَهَذَا لَا يَقْتَضِيه قِيَاسٌ، وَلَا يَهْتَدِي إلَيْهِ رَأْيٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُهُ إلَّا تَوْقِيفًا. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْبَلُ مِنْ النِّسَاءِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ كَرَجُلِ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] . وَلَنَا، مَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: «تَزَوَّجْت أُمُّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: وَكَيْفَ، وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ، قَالَ: «فَأَتَيْته مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَقُلْت: إنَّهَا كَاذِبَةٌ. قَالَ: كَيْفَ، وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، خَلِّ سَبِيلَهَا» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِ أَبْيَاتٍ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ فِي الرَّضَاعِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَرَّقَ عُثْمَانُ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ وَبَيْنَ نِسَائِهِمْ، بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ فِي الرَّضَاعِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَتْ الْقُضَاةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ. وَلِأَنَّ هَذَا شَهَادَةٌ عَلَى عَوْرَةٍ، فَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ، كَالْوِلَادَةِ. وَعَلَّلَ الشَّافِعِيُّ، بِأَنَّهُ مَعْنًى يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ، فَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْمُنْفَرِدَةِ، كَالْخَبَرِ.

[فَصْلٌ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا]

(٦٤٤٧) فَصْلٌ: وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ، مِنْ أَنَّ الْأَمَةَ السَّوْدَاءَ قَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَقَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَتَهَا. وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ لَا يَحْصُلُ لَهَا بِهِ نَفْعٌ مَقْصُودٌ، وَلَا تَدْفَعُ عَنْهَا بِهِ ضَرَرًا، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهَا بِهِ، كَفِعْلِ غَيْرِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهَا تَسْتَبِيحُ الْخَلْوَةَ بِهِ، وَالسَّفَرَ مَعَهُ، وَتَصِيرُ مَحْرَمًا لَهُ. قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْمَقْصُودَةِ، الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، وَأَعْتَقَ أَمَتَهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُمَا نِكَاحُهُمَا بِذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>