أَيْ فَيَرِثُ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِبَيِّنَةٍ، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ سَبَبٌ لِلْمِيرَاثِ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ حُكْمِهِ عَنْهُ، وَلَا يُوَرَّثُ مَحْجُوبٌ بِهِ مَعَ وُجُودِهِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ الْمَوَانِعِ. وَمَا احْتَجُّوا بِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا نَعْتَبِرُ كَوْنِ الْمُقِرِّ وَارِثًا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُقَرِّ بِهِ، وَخُرُوجُهُ بِالْإِقْرَارِ عَنْ الْإِرْثِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الِابْنَ إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ فَإِنَّهُ يَرِثُ، مَعَ كَوْنِهِ يَخْرُجُ بِإِقْرَارِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ بِهِ، فَصَارَ إقْرَارًا مِنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا، لَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُ، فَقَدْ أَقَرَّ كُلُّ مَنْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ. قُلْنَا: وَمِثْلُهُ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ كَبِيرًا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ كُلُّ مَنْ يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُعْتَبَرِ الْقَوْلِ، لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِقَوْلِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَا اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ فَأَقَرَّ الْبَالِغُ بِأَخٍ آخَر، لَمْ يُقْبَلْ، وَلَمْ يَقُولُوا: أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهُ، كَذَا هَاهُنَا.
وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِ إنْسَانٍ عَبْدٌ مَحْكُومٌ لَهُ بِمِلْكِهِ، فَأَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ، ثَبَتَ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ يَخْرُجُ بِالْإِقْرَارِ عَنْ كَوْنِهِ مَالِكًا، كَذَا هَاهُنَا.
[فَصْلٌ خَلَّفَ ابْنًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ]
(٣٨٨٤) فَصْلٌ: فَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا، فَأَقَرَّ بِأَخٍ، ثَبَتَ نَسَبُهُ، ثُمَّ إنْ أَقَرَّ بِثَالِثٍ، ثَبَتَ نَسَبُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ. فَإِنْ قَالَ الثَّالِثُ: الثَّانِي لَيْسَ بِأَخٍ لَنَا. فَقَالَ الْقَاضِي: يَسْقُطُ نَسَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ وَارِثٌ مُنْكِرٌ لِنَسَبِ الثَّانِي، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ نَسَبُهُ ثَابِتًا قَبْلَ الثَّانِي. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرِ: لَا يَسْقُطُ نَسَبُهُ وَلَا مِيرَاثُهُ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَبَتَ بِقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَثَبَتَ مِيرَاثُهُ، فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ مَنْ هُوَ كُلُّ الْوَرَثَةِ حِينَ الْإِقْرَارِ، وَثَبَتَ مِيرَاثُهُ فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَلِأَنَّ الثَّانِيَ لَوْ أَنْكَرَ الثَّالِثَ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ بِإِقْرَارِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ إسْقَاطُ نَسَبِ مَنْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِقَوْلِهِ، كَالْأَوَّلِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ الْأَصْلِ بِالْفَرْعِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ.
[فَصْلٌ أَقَرَّ الِابْنُ بِأَخَوَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً]
(٣٨٨٥) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ الِابْنُ بِأَخَوَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، ثَبَتَ نَسَبُهُمَا. وَإِنْ تَكَاذَبَا، فَفِيهِمَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ كُلُّ الْوَرَثَةِ.
وَالثَّانِي، يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ الْإِقْرَارُ بِهِ مِنْ ثَابِتِ النَّسَبِ، هُوَ كُلَّ الْوَرَثَةِ حِينَ الْإِقْرَارِ، فَلَمْ تُعْتَبَرْ مُوَافَقَةُ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُصَدِّقُ صَاحِبَهُ دُونَ الْآخَرِ، ثَبَتَ نَسَبُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا، وَفِي الْآخَرِ وَجْهَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute