[فَصْلٌ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَدَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ]
(٥٤٤٠) فَصْلٌ: وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا اتَّفَقَتْ الدَّارَانِ أَوْ اخْتَلَفَتَا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَدَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَعَقَدَ الذِّمَّةَ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ؛ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ
وَيَقْتَضِي مَذْهَبُهُ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، نَاقِضًا لِلْعَهْدِ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اخْتَلَفَتْ بِهِمَا فِعْلًا وَحُكْمًا، فَوَجَبَ أَنْ تَقَعَ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَنَا، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَسْلَمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَامْرَأَتُهُ بِمَكَّةَ لَمْ تُسْلِمْ، وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ، وَأُمُّ حَكِيمٍ أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ إلَى الْيَمَنِ، وَامْرَأَةُ صَفْوَانِ بْنِ أُمَيَّةَ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا، ثُمَّ أَسْلَمُوا، وَأُقِرُّوا عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَالدَّارِ بِهِمْ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ كَالْبَيْعِ، وَيُفَارِقُ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ الْقَاطِعَ لِلنِّكَاحِ اخْتِلَافُ الدِّينِ، الْمَانِعُ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى النِّكَاحِ، دُونَ مَا ذَكَرُوهُ
فَعَلَى هَذَا، لَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ حَرْبِيَّةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، صَحَّ نِكَاحُهُ، وَعِنْدَهُمْ لَا يَصِحُّ. وَلَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] وَلِأَنَّهَا امْرَأَةٌ يُبَاحُ نِكَاحُهَا إذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَأُبِيحَ نِكَاحُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَالْمُسْلِمَةِ.
[مَسْأَلَة نَكَحَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ ثُمَّ أَصَابَهُنَّ ثُمَّ أَسْلَمَ]
(٥٤٤١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَوْ نَكَحَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ، ثُمَّ أَصَابَهُنَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي عِدَّتِهَا، اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ، وَفَارَقَ مَا سِوَاهُنَّ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْ أَمْسَكَ مِنْهُنَّ أَوَّلَ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ أَوْ آخِرَهُنَّ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ، وَمَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ، أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهُنَّ كُلِّهِنَّ. بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ
وَلَا يَمْلِكُ إمْسَاكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ. فَإِذَا أَحَبَّ ذَلِكَ، اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ، وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ، سَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ أَوْ فِي عُقُودٍ، وَسَوَاءٌ اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوْ الْأَوَاخِرَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ، انْفَسَخَ نِكَاحُ جَمِيعِهِنَّ، وَإِنْ كَانَ فِي عُقُودٍ، فَنِكَاحُ الْأَوَائِلِ صَحِيحٌ، وَنِكَاحُ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا تَنَاوَلَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَتَحْرِيمُهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَمْعِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ مُخَيَّرًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَيْنِ فِي حَالِ الْكُفْرِ، ثُمَّ أَسْلَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute