فَأَشْبَهَ لَغْوَ الْيَمِينِ. وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِالسَّلَامِ.
وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ، وَأَرَادَ جَمِيعَهُمْ بِالسَّلَامِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُمْ كُلَّهُمْ، وَإِنْ قَصْدَ بِالسَّلَامِ مَنْ عَدَاهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَلَّمَ غَيْرَهُ وَهُوَ يَسْمَعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِيهِمْ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُمْ جَمِيعَهُمْ وَهُوَ فِيهِمْ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ فِي الْحِنْثِ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِمَا بِالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَدَمِ الْحِنْثِ عَلَى الْيَمِينِ الْمُكَفِّرَة. فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ إمَامًا، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَأْمُومًا، لَمْ يَحْنَثْ بِتَسْلِيمِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِتَسْلِيمِهِ الْمَأْمُومِينَ فَيَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ تَكْلِيمًا، وَلَا يُرِيدُهُ الْحَالِفُ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا، فَكَلَّمَ إنْسَانًا، وَفُلَانًا يَسْمَعُ، يَقْصِدُ بِذَلِكَ إسْمَاعَهُ، كَمَا قَالَ:
إيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهُ
حَنِثَ نَصَّ. عَلَيْهِ أَحْمَدُ، قَالَ: إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا، فَكَلَّمَ إنْسَانًا، وَفُلَانٌ يَسْمَعُ، يُرِيدُ بِكَلَامِهِ إيَّاهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَرَادَ تَكْلِيمَهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، فَإِنَّهُ كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ زِيَادًا، فَعَزَمَ زِيَادٌ عَلَى الْحَجِّ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرَةَ فَدَخَلَ قَصْرَهُ، وَأَخَذَ ابْنَهُ فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: إنَّ أَبَاكِ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالدُّخُولَ عَلَى زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا السَّبَبِ، وَقَدْ عِلْمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. ثُمَّ خَرَجَ، وَلَمْ يَرَ أَنَّهُ كَلَّمَهُ. وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ أَسْمَعَهُ كَلَامَهُ يُرِيدُهُ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ خَاطِبَهُ بِهِ، وَلِأَنَّ بِهِ مَقْصُودَ تَكْلِيمِهِ قَدْ حَصَلَ بِإِسْمَاعِهِ كَلَامَهُ.
[فَصْلٌ كَتَبَ إلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا وَكَانَ قَدْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَهُ]
فَصْلٌ: فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا، حَنِثَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ أَنْ لَا يُشَافِهَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ [فِي] مَوْضِعٍ آخَرَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: ٥١] . وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّرْكِ لِكَلَامِهِ هِجْرَانُهُ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ مُوَاصَلَتِهِ بِالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَرْكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ حَقِيقَةً، وَلَوْ حَلَفَ لِيُكَلِّمْنَهُ، لَمْ يَبَرَّ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، فَكَذَلِكَ لَا يَحْنَث بِهِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ، فَأَرْسَلَ إنْسَانًا يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَوْ حَدِيثٍ، فَجَاءَ الرَّسُولُ، فَسَأَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute