للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَتَبُوا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلُوهُ، وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» .

. وَلَنَا حَدِيثُ سَهْلٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ، فِي " مُوَطَّئِهِ "، وَعَمِلَ بِهِ. وَمَا عَارَضَهُ مِنْ الْحَدِيثِ لَا يَصِحُّ لِوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّهُ نَفْيٌ، فَلَا يُرَدُّ بِهِ قَوْلُ الْمُثْبِتِ. وَالثَّانِي: أَنَّ سَهْلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاهَدَ الْقِصَّةَ، وَعَرَفَهَا، حَتَّى إنَّهُ قَالَ: رَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ وَالْآخَرَ يَقُولُ بِرَأْيِهِ وَظَنِّهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا حَضَرَ الْقِصَّةَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ حَدِيثَنَا مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُهُمْ بِخِلَافِهِ. الرَّابِعُ، أَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِحَدِيثِهِمْ، وَلَا حَدِيثِنَا، فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِيمَا خَالَفُوهُ فِيهِ، وَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ صُحْبَةً، فَهُوَ أَدْنَى لَهُمْ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَقَدْ خَالَفَ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُ: «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . لَمْ تُرَدَّ بِهِ هَذِهِ الْقِصَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّاسَ لَا يُعْطَوْنَ بِدَعْوَاهُمْ، وَهَا هُنَا قَدْ أُعْطُوا بِدَعْوَاهُمْ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَنَا أَخَصُّ مِنْهُ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ، ثُمَّ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِكَوْنِ الْمُدَّعِينَ أُعْطُوا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، إلَّا فِي الْقَسَامَةِ» وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهَا، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ؛ وَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ. فَيُبْدَأُ فِيهَا بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ، كَاللِّعَانِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ خَمْسُونَ مُرَدَّدَةً، عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ.

[الْفَصْلُ الرَّابِعُ الْأَوْلِيَاء إذَا حَلَفُوا اسْتَحَقُّوا الْقَوَد إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَمْدًا]

(٧٠٢٣) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ إذَا حَلَفُوا اسْتَحَقُّوا الْقَوَدَ، إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَمْدًا، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ: لَا تَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْيَهُودِ: «إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ» . وَلِأَنَّ أَيْمَانَ الْمُدَّعِينَ إنَّمَا هِيَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَحُكْمِ الظَّاهِرِ، فَلَا يَجُوزُ إشَاطَةُ الدَّمِ بِهَا؛ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ الْمُتَمَكِّنَةِ مِنْهَا، وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ لَا يَثْبُتُ بِهَا النِّكَاحُ، وَلَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ، كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَالْمَذْهَبَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>