وَالثَّانِيَةُ، يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا. وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي أَحَدِ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ، فَجَازَ النَّسَاءُ فِيهِمَا، كَالثِّيَابِ بِالْحَيَوَانِ.
[فَصْلٌ بَيْعُ شَيْئًا مِنْ مَالِ الرِّبَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ]
(٢٨٠٤) فَصْلٌ: وَإِذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الرِّبَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَعِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ، لَمْ يَجُزْ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنْ فَعَلَا بَطَلَ الْعَقْدُ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِمَا كَغَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا، وَكَبَيْعِ ذَلِكَ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» . وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ. قَالَ: فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي، فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ. وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضُ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَلِكَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ عُمَرُ بِهِ، وَلِأَنَّهُمَا مَالَانِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا عِلَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ، فَحَرُمَ التَّفَرُّقُ فِيهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ.
فَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَتْ عِلَّتُهُمَا، كَالْمَكِيلِ بِالْمَوْزُونِ عِنْدَ مَنْ يُعَلِّلُ بِهِمَا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ التَّفَرُّقُ فِيهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ عِلَّتَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَجَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَالثَّمَنِ بِالْمُثْمَنِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي بَيْعِ الْأَثْمَانِ بِغَيْرِهَا، وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وُجُوبَ التَّقَابُضِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِقَوْلِهِ: «يَدًا بِيَدٍ» .
[مَسْأَلَة تَحْرِيمِ النَّسَاءِ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ]
(٢٨٠٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَا كَانَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَجَائِزٌ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي تَحْرِيمِ النَّسَاءِ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، عَلَى أَرْبَعِ رِوَايَاتِ؛ إحْدَاهُنَّ، لَا يَحْرُمُ النَّسَاءُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا، إلَّا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ. فَيَحْرُمُ النَّسَاءُ فِي الْمَطْعُومِ، وَلَا يَحْرُمُ فِي غَيْرِهِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute