للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ كَانَ لَإِنْسَانٍ شَجَرَةٌ فِي مَوَاتٍ]

(٤٣٦٣) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لَإِنْسَانٍ شَجَرَةٌ فِي مَوَاتٍ، فَلَهُ حَرِيمُهَا قَدْرَ مَا تَمُدُّ إلَيْهِ أَغْصَانُهَا حَوَالَيْهَا، وَفِي النَّخْلَةِ مَدُّ جَرِيدِهَا؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «اُخْتُصِمَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ، فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرَائِدِهَا فَذُرِعَتْ، فَكَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ، فَقَضَى بِذَلِكَ» . وَإِنْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي مَوَاتٍ، فَهِيَ لَهُ وَحَرِيمُهَا. وَإِنْ سَبَقَ إلَى شَجَرٍ مُبَاحٍ، كَالزَّيْتُونِ وَالْخَرُّوبِ، فَسَقَاهُ وَأَصْلَحَهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ، فَإِنْ طَعِمَهُ مَلَكَهُ بِذَلِكَ وَحَرِيمَهُ؛ لِأَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ، فَهُوَ كَسَوْقِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ الْمَوَاتِ.

وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .

[فَصْلٌ لَهُ بِئْرٌ فِيهَا مَاءٌ فَحَفَرَ آخَرُ قَرِيبًا مِنْهَا بِئْرًا يَنْسَرِقُ إلَيْهَا مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى]

(٤٣٦٤) فَصْلٌ: وَمَنْ كَانَتْ لَهُ بِئْرٌ فِيهَا مَاءٌ، فَحَفَرَ آخَرُ قَرِيبًا مِنْهَا بِئْرًا يَنْسَرِقُ إلَيْهَا مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَفِرُ الثَّانِيَةِ فِي مِلْكِهِ، مِثْلُ رَجُلَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ فِي دَارَيْنِ، حَفَرَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِهِ بِئْرًا، ثُمَّ حَفَرَ الْآخَرُ بِئْرًا أَعْمَقَ مِنْهَا، فَسَرَى إلَيْهَا مَاءُ الْأُولَى، أَوْ كَانَتَا فِي مَوَاتٍ، فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا، فَحَفَرَ بِئْرًا، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَحَفَرَ قَرِيبًا مِنْهَا بِئْرًا تَجْتَذِبُ مَاءَ الْأُولَى. وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ مِلْكَهُ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ قَبْلَهُ. وَقَالَ فِي الْأُولَى: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُبَاحٌ فِي مِلْكِهِ، فَجَازَ لَهُ فِعْلُهُ، كَتَعْلِيَةِ دَارِهِ

وَهَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ مَا يُحْدِثُهُ الْجَارُ مِمَّا يَضُرُّ بِجَارِهِ، مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ مَدْبَغَةً، أَوْ حَمَّامًا يَضُرُّ بِعَقَارِ جَارِهِ بِحَمْيِ نَارِهِ وَرَمَادِهِ وَدُخَانِهِ، أَوْ يَحْفِرَ فِي أَصْلِ حَائِطِهِ حَشًّا يَتَأَذَّى جَارُهُ بِرَائِحَتِهِ وَغَيْرِهَا، أَوْ يَجْعَلَ دَارِهِ مَخْبِزًا فِي وَسَطِ الْعَطَّارِينَ وَنَحْوِهِ، مِمَّا يُؤْذِي جِيرَانَهُ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُبَاحٌ فِي مِلْكِهِ، أَشْبَهَ بِنَاءَهُ وَنَقْضَهُ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَلِأَنَّهُ إحْدَاثُ ضَرَرٍ بِجَارِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَالدَّقِّ الَّذِي يَهُزُّ الْحِيطَانَ وَيُخَرِّبُهَا، وَكَإِلْقَاءِ السَّمَادِ وَالتُّرَابِ وَنَحْوِهِ فِي أَصْلِ حَائِطِهِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهِ

وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ مَصْنَعُ مَاءٍ، فَأَرَادَ جَارُهُ غَرْسَ شَجَرَةِ تِينٍ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا تَسْرِي عُرُوقُهُ فَتَشُقُّ حَائِطَ مَصْنَعِ جَارِهِ، وَيُتْلِفُهُ، لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، وَكَانَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ وَقَلْعُهَا إنْ غَرَسَهَا. وَلَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَحْصُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>