[فَصْل إذَا شَكَّ فِي الطَّهَارَة وَهُوَ فِي الطَّوَافِ]
(٢٤٦٣) فَصْلٌ: إذَا شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، وَهُوَ فِي الطَّوَافِ، لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ فِيهَا. وَإِنْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا. وَإِنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الطَّوَافِ، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ. وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَمَتَى شَكَّ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ كَالصَّلَاةِ.
وَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عَدَدِ طَوَافِهِ، رَجَعَ إلَيْهِ إذَا كَانَ عَدْلًا. وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ، لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا كَانَ رَجُلَانِ يَطُوفَانِ، فَاخْتَلَفَا فِي الطَّوَافِ، بَنَيَا عَلَى الْيَقِينِ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا شَكَّا، فَأَمَّا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَيَقَّنَ حَالَ نَفْسِهِ، لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ.
[فَصْل إذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فِي أَحَدِ الطَّوَافَيْنِ]
(٢٤٦٤) فَصْلٌ: وَإِذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فِي أَحَدِ الطَّوَافَيْنِ، لَا بِعَيْنِهِ، بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَشَدِّ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْهَا، فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْحَلْقِ، وَيَكُونُ قَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، فَيَصِيرُ قَارِنًا، وَيُجْزِئُهُ الطَّوَافُ لِلْحَجِّ عَنْ النُّسُكَيْنِ، وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ مِنْ الْحَجِّ لَزِمَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ، وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ السَّعْيِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ مُعْتَدٍّ بِهِ.
وَإِنْ كَانَ وَطِئَ بَعْدَ حِلِّهِ مِنْ الْعُمْرَةِ، حَكَمْنَا بِأَنَّهُ أَدْخَلَ حَجًّا عَلَى عُمْرَةٍ، فَأَفْسَدَهُ، فَلَا تَصِحُّ، وَيَلْغُو مَا فَعَلَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَيَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ الَّذِي قَصَدَهُ لِلْحَجِّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْحَلْقِ، وَدَمٌ لِلْوَطْءِ فِي عُمْرَتِهِ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ. وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ مِنْ الْحَجِّ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَيَحْصُلُ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ.
[مَسْأَلَة لَا يَسْتَلِمُ وَلَا يُقَبِّلُ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْأَسْوَد وَالْيَمَانِيَ]
(٢٤٦٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَسْتَلِمُ، وَلَا يُقَبِّلُ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْأَسْوَدَ وَالْيَمَانِيَّ) الرُّكْنُ الْيَمَانِيَّ قِبْلَةُ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَيَلِي الرُّكْنَ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَهُوَ آخِرُ مَا يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْكَانِ فِي طَوَافِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَهُوَ قِبْلَةُ أَهْلِ خُرَاسَانَ فَيَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ عَلَى يَمِينِ نَفْسِهِ، وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْعِرَاقِيُّ، لَمْ يَسْتَلِمْهُ، فَإِذَا مَرَّ بِالثَّالِثِ، وَهُوَ الشَّامِيُّ، لَمْ يَسْتَلِمْهُ أَيْضًا، وَهَذَانِ الرُّكْنَانِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الرَّابِعِ، وَهُوَ الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ، اسْتَلَمَهُ.
قَالَ الْخِرَقِيِّ: (وَيُقَبِّلُهُ) . وَالصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَسْتَلِمُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَالرُّكْنَ الْأَسْوَدَ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الَّذِي فَرَّقُوا بِهِ بَيْنَهُمَا التَّقْبِيلُ، فَرَأَوْا تَقْبِيلَ الْأَسْوَدِ، وَلَمْ يَرَوْا تَقْبِيلَ الْيَمَانِيِّ، وَأَمَّا اسْتِلَامُهُمَا فَأَمْرٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute