فَبِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لَكَفَّارَةٍ، فَوَجَبَتْ دُونَ غَيْرِهَا، كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: يَسْقُطُ الظِّهَارُ بِمِلْكِهِ لَهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا حَنِثَ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، كَمَا لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا، وَهِيَ أَمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ الزَّوْجَاتِ، وَصَارَ وَطْؤُهُ لَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، كَمَا لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا وَهِيَ أَمَتُهُ. وَيَقْتَضِي قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا أَنْ تُبَاحَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الظِّهَارَ، وَجَعَلَهُ يَمِينًا، كَتَحْرِيمِ أَمَتِهِ.
فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَنْ كَفَّارَتِهِ، صَحَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، حَلَّتْ لَهُ بِغَيْرِ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَفَّرَ عَنْ ظِهَارِهِ بِإِعْتَاقِهَا، وَلَا يَمْتَنِعُ إجْزَاؤُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِسَبَبِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْتُ أَمَةً، فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَمَلَكَ أَمَةً، فَأَعْتَقَهَا. وَإِنْ أَعْتَقَهَا عَنْ غَيْرِ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، عَادَ حُكْمُ الظِّهَارِ، وَلَمْ تَحِلّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ.
[مَسْأَلَةٌ تظاهر مِنْ أَرْبَعِ نِسَائِهِ بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ]
(٦١٩٢) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ كَفَّارَةٍ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ كَفَّارَةٍ. بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ وَعُرْوَةَ، وَطَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي الْجَدِيدِ: عَلَيْهِ لِكُلِّ امْرَأَةٍ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ فِي حَقِّ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ أَفْرَدَهَا بِهِ.
وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَوَاهُ عَنْهُمَا الْأَثْرَمُ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ كَلِمَةٌ تَجِبُ بِمُخَالَفَتِهَا الْكَفَّارَةُ، فَإِذَا وُجِدَتْ فِي جَمَاعَةٍ أَوْجَبَتْ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَفَارَقَ مَا إذَا ظَاهَرَ بِكَلِمَاتٍ؛ فَإِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ تَقْتَضِي كَفَّارَةً تَرْفَعُهَا، وَتُكَفِّرُ إثْمَهَا. وَهَاهُنَا الْكَلِمَةُ وَاحِدَةٌ، فَالْكَفَّارَةُ الْوَاحِدَةُ تَرْفَعُ حُكْمَهَا، وَتَمْحُوا إثْمَهَا، فَلَا يَبْقَى لَهَا حُكْمٌ.
[فَصْلٌ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَاتِ فَقَالَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي]
(٦١٩٣) فَصْلٌ: وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ إذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَاتٍ، فَقَالَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. فَإِنَّ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةً. وَهَذَا قَوْلُ عُرْوَةَ، وَعَطَاءٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: الْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا. قَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ عِنْدِي مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَاخْتَارَ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَرَبِيعَةَ، وَقَبِيصَةَ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ حَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ تَتَكَرَّرْ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهَا، كَالْحَدِّ، وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ الطَّلَاقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute