للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّا كُنَّا نُنْزِلُهَا مَنْزِلَةَ الْآدَمِيِّ، إلَّا أَنَّهُ أَجْمَعَ رَأْيُنَا أَنَّ قِيمَتَهَا رُبْعُ الثَّمَنِ. وَهَذَا إجْمَاعٌ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ. ذَكَرَ هَذَيْنِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ".

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَلَعَ عَيْنَ بَهِيمَةٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مِنْ وِجْهَتَيْنِ، كَالدَّابَّةِ وَالْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ، وَجَبَ نِصْفُ قِيمَتِهَا، وَفِي إحْدَاهُمَا رُبْعُ قِيمَتِهَا؛ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجْمَعَ رَأْيُنَا عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا رُبْعُ الثَّمَنِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْعَبْدِ، أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْغَصْبِ بِمَا يَضْمَنُ بِهِ فِي الْجِنَايَةِ؛ فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ لِأَبْعَاضِ الْعَبْدِ، فَكَانَ مُقَدَّرًا مِنْ قِيمَتِهِ، كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ، فَكَانَ الْوَاجِبُ مَا نَقَصَ، كَالثَّوْبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالضَّمَانِ جَبْرُ حَقِّ الْمَالِكِ بِإِيجَابِ قَدْرِ الْمُفَوِّتِ عَلَيْهِ، وَقَدْرُ النَّقْصِ هُوَ الْجَابِرُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ فَاتَ الْجَمِيعُ لَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ، فَإِذَا فَاتَ مِنْهُ شَيْءُ وَجَبَ قَدْرُهُ مِنْ الْقِيمَةِ، كَغَيْرِ الْحَيَوَانِ. وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَا أَصْلَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمَا احْتَجَّ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِحَدِيثِ عُمَرَ وَتَرَكُوهُ، فَإِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ يُحْتَجّ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدْرَ نَقْصِهَا، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا، وَلَوْ كَانَ تَقْدِيرًا، لَوَجَبَ فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، كَعَيْنِ الْآدَمِيِّ.

وَأَمَّا ضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِ الْعَبْدِ، فَمَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ، لِلْإِلْحَاقِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ، وَالْوَاجِبُ هَاهُنَا ضَمَانُ الْيَدِ، وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَى الْحُرِّ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ فِيهِ عَلَى مُوجِبِ الْأَصْلِ، وَإِلْحَاقُهُ بِسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمَغْصُوبَةِ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ هَذَا فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالدَّابَّةِ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَقَوْلُ عُمَرَ إنَّمَا هُوَ فِي الدَّابَّةُ، وَالدَّابَّةُ فِي الْعُرْفِ مَا يُعَدُّ لِلرُّكُوبِ دُونَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.

[فَصْلٌ غَصَبَ عَبْدًا فَجَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً مُقَدَّرَةَ الدِّيَةِ]

(٣٩٤٣) فَصْلٌ: وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا، فَجَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً مُقَدَّرَةَ الدِّيَةِ، فَعَلَى قَوْلِنَا: ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ. الْوَاجِبُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ، فَنَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ. وَإِنْ قُلْنَا: ضَمَانُ الْغَصْبِ غَيْرُ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ، مِنْ أَرْشِ النَّقْصِ أَوْ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ، لِأَنَّ سَبَبَ ضَمَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ، فَوَجَبَ أَكْثَرُهُمَا، وَدَخَلَ الْآخَرُ فِيهِ، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ وَالْيَدَ وُجِدَا جَمِيعًا.

فَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا؛ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ، فَنَقَصَ أَلْفًا، لَزِمَهُ أَلْفٌ، وَرَدَّ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ زِيَادَةِ السُّوقِ مَعَ تَلَفِ الْعَيْنِ مَضْمُونَةٌ، وَيَدُ الْعَبْدِ كَنِصْفِهِ، فَكَأَنَّهُ بِقَطْعِ يَدِهِ فَوَّتَ نِصْفَهُ. وَإِنْ نَقَصَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ مَا نَقَصَ. فَعَلَيْهِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَيَرُدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>