وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى حَرَّمَهُ الصَّوْمُ، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، لَمْ يُفْسِدْهُ؛ كَالْأَكْلِ. وَكَانَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، يُوجِبُونَ الْقَضَاءَ دُونَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِرَفْعِ الْإِثْمِ، وَهُوَ مَحْطُوطٌ عَنْ النَّاسِي. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الَّذِي قَالَ: وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي. بِالْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الْعَمْدِ، وَلَوْ افْتَرَقَ الْحَالُ لَسَأَلَ وَاسْتَفْصَلَ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ التَّعْلِيلُ بِمَا تَنَاوَلَهُ لَفْظُ السَّائِلِ وَهُوَ الْوُقُوعُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الصَّوْمِ، وَلِأَنَّ السُّؤَالَ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً» . فَإِنْ قِيلَ: فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَمْدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: هَلَكْت. وَرُوِيَ: احْتَرَقْت.
قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ هَلَكَتِهِ لِمَا يَعْتَقِدُهُ فِي الْجِمَاعِ مَعَ النِّسْيَانِ مِنْ إفْسَادِ الصَّوْمِ، وَخَوْفِهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ تُحَرِّمُ الْوَطْءَ، فَاسْتَوَى فِيهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، كَالْحَجِّ، وَلِأَنَّ إفْسَادَ الصَّوْمِ وَوُجُوبَ الْكَفَّارَةِ حُكْمَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْجِمَاعِ، لَا تُسْقِطُهُمَا الشُّبْهَةُ، فَاسْتَوَى فِيهِمَا الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ، كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ. (٢٠٥٢) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْفَرْجِ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا، مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْلَالُ وَلَا الْإِحْصَانُ، فَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ فِي الْفَرْجِ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ، كَالْوَطْءِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ دُونَ الْفَرْجِ، فَلَنَا فِيهِ مَنْعٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَلِأَنَّ الْجِمَاعَ دُونَ الْفَرْجِ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ بِمُجَرَّدِهِ؛ بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ.
[فَصْلُ وَطْءُ الصَّائِم فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ]
(٢٠٥٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْوَطْءُ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ. فَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ، مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْآدَمِيَّةِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِوَطْءِ الْآدَمِيَّةِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِهِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَوْطُوءَةِ زَوْجَةً أَوْ أَجْنَبِيَّةً، أَوْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ بِوَطْءِ الزَّوْجَةِ، فَبِوَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute