للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَدَاعِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ وَالْآثَارِ، أَنَّ قِصَّةَ صَاحِبِ الْجُبَّةِ كَانَتْ عَامَ حُنَيْنٍ، بِالْجِعْرَانَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَحَدِيثَ عَائِشَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ إنْ قُدِّرَ التَّعَارُضُ، فَحَدِيثُنَا نَاسِخٌ لِحَدِيثِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَنْهَى عَنْ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَقَالَ: لَأَنْ أُطْلَى بِالْقَطِرَانِ أَحَبُّ إلَى مِنْ ذَلِكَ. قُلْنَا تَمَامُ الْحَدِيثِ، قَالَ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَطُوفُ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ يَنْضَحُ طِيبًا» .

فَإِذَا صَارَ الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَى مَنْ احْتَجَّ بِهِ، فَإِنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ عَلَى ابْنِ عُمِرَ وَغَيْرِهِ، وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِالنِّكَاحِ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَهُ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ.

[فَصْل إنْ طَيَّبَ الْمُحْرِم ثَوْبه فَلَهُ اسْتِدَامَة لَبِسَهُ مَا لَمْ يَنْزِعهُ]

(٢٢٨٨) فَصْلٌ: وَإِنْ طَيَّبَ ثَوْبَهُ، فَلَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ، مَا لَمْ يَنْزِعْهُ، فَإِنْ نَزَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ، فَإِنْ لَبِسَهُ افْتَدَى؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الطِّيبِ، وَلُبْسُ الْمُطَيَّبِ دُونَ الِاسْتِدَامَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ نَقَلَ الطِّيبَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، افْتَدَى؛ لِأَنَّهُ تَطَيَّبَ فِي إحْرَامِهِ، وَكَذَا إنْ تَعَمَّدَ مَسَّهُ بِيَدِهِ، أَوْ نَحَّاهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، فَأَمَّا إنْ عَرِقَ الطِّيبُ، أَوْ ذَابَ بِالشَّمْسِ، فَسَالَ مِنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، فَجَرَى مَجْرَى النَّاسِي. قَالَتْ عَائِشَةُ: «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْهَاهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

[مَسْأَلَة الْمُسْتَحَبّ أَنْ يُحْرِم عَقِيب الصَّلَاة إذَا حَضَرَ وَقْتهَا]

(٢٢٨٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ حَضَرَ وَقْتُ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، وَإِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ حَضَرَتْ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، أَحْرَمَ عَقِيبَهَا، وَإِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا وَأَحْرَمَ عَقِيبَهُمَا. اسْتَحَبَّ ذَلِكَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْإِحْرَامَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا بَدَأَ بِالسَّيْرِ، سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ، قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك: الْإِحْرَامُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ، أَوْ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ؟ فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ، فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا عَلَا الْبَيْدَاءَ، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ، فَوَسَّعَ فِي ذَلِكَ. كُلِّهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «رَكِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاحِلَتَهُ، حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ» ، وَقَالَ أَنَسٌ: «لَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، وَاسْتَوَتْ بِهِ، أَهَلَّ.» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَهَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>