أَجَازَ أَمَانَ الْعَبْدِ لِأَهْلِ الْحِصْنِ الَّذِي ذَكَرْنَا حَدِيثَهُ. وَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ، وَرُسْتَاقٍ، وَجَمْعٍ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، وَالِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ. (٧٤٨٢) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِلْأَسِيرِ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ بِالْهُرْمُزَانِ أَسِيرًا، قَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْك، ثُمَّ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: قَدْ أَمَّنْته، فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهِ. وَشَهِدَ الزُّبَيْرُ بِذَلِكَ، فَعَدُّوهُ أَمَانًا. رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْمَنَّ عَلَيْهِ، وَالْأَمَانُ دُونَ ذَلِكَ. فَأَمَّا آحَادُ الرَّعِيَّةِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُهُ؛ لِأَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَارَتْ زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ بَعْدَ أَسْرِهِ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَانَهَا. وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْأَوْزَاعِيُّ. وَلَنَا، أَنَّ أَمْرَ الْأَسِيرِ مُفَوَّضٌ إلَى الْإِمَامِ، فَلَمْ يَجُزْ الِافْتِيَاتُ عَلَيْهِ فِيمَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ، كَقَتْلِهِ.
وَحَدِيثُ زَيْنَبَ فِي أَمَانِهَا، إنَّمَا صَحَّ بِإِجَازَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٧٤٨٣) فَصْلٌ: وَإِذَا شَهِدَ لِلْأَسِيرِ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَنَّهُمْ أَمَّنُوهُ، قُبِلَ، إذَا كَانُوا بِصِفَةِ الشُّهُودِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ. وَلَنَا، أَنَّهُمْ عُدُولٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، غَيْرُ مُتَّهَمِينَ، شَهِدُوا بِأَمَانِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ أَنَّهُ أَمَّنَهُ.
وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِهَا، فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ. وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنِّي أَمَّنْته. فَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُقْبَلُ، كَمَا لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ عَزْلِهِ: كُنْت حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِحَقٍّ. قُبِلَ قَوْلُهُ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: يَصِحُّ أَمَانُهُ، فَقُبِلَ خَبَرُهُ بِهِ، كَالْحَاكِمِ فِي حَالِ وِلَايَتِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَمِّنَهُ فِي الْحَالِ، فَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ بِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ.
[فَصْل جَاءَ الْمُسْلِمُ بِمُشْرِكٍ ادَّعَى أَنَّهُ أَسَرَهُ وَادَّعَى الْكَافِرُ أَنَّهُ أَمَّنَهُ]
(٧٤٨٤) فَصْل إذَا جَاءَ الْمُسْلِمُ بِمُشْرِكٍ ادَّعَى أَنَّهُ أَسَرَهُ، وَادَّعَى الْكَافِرُ أَنَّهُ أَمَّنَهُ، فَفِيهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ فَإِنَّ الْأَصْلَ إبَاحَةُ دَمِ الْحَرْبِيِّ، وَعَدَمُ الْأَمَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute