مِنْ الْحِجَارَةِ شِبْهَ اللَّحْدِ. قَالَ أَحْمَدُ وَلَا أُحِبُّ الشَّقَّ.
لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اللَّحْدُ شُقَّ لَهُ فِي الْأَرْضِ، وَمَعْنَى الشَّقِّ أَنْ يَحْفِرَ فِي أَرْضِ الْقَبْرِ شَقًّا يَضَعُ الْمَيِّتَ فِيهِ، وَيَسْقُفَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَيَضَعَ الْمَيِّتَ فِي اللَّحْدِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، وَيَضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةً، أَوْ حَجَرًا، أَوْ شَيْئًا مُرْتَفِعًا، كَمَا يَصْنَعُ الْحَيُّ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إذَا جَعَلْتُمُونِي فِي اللَّحْدِ فَأَفْضُوا بِخَدِّي إلَى الْأَرْضِ. وَيُدْنَى مِنْ الْحَائِطِ لِئَلَّا يَنْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَيُسْنَدُ مِنْ وَرَائِهِ بِتُرَابٍ، لِئَلَّا يَنْقَلِبَ. قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا أُحِبُّ أَنْ يُجْعَلَ فِي الْقَبْرِ مُضَرَّبَةٌ وَلَا مِخَدَّةٌ. وَقَدْ جُعِلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ، فَإِنْ جَعَلُوا قَطِيفَةً فَلِعِلَّةٍ، فَإِذَا فَرَغُوا نَصَبُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ نَصْبًا. وَيُسَدُّ خَلَلُهُ بِالطِّينِ لِئَلَّا يَصِلَ إلَيْهِ التُّرَابُ، وَإِنْ جَعَلَ مَكَانَ اللَّبِنِ قَصَبًا، فَحَسَنٌ.
لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ: جُعِلَ عَلَى لَحْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طُنُّ قَصَبٍ، فَإِنِّي رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ.
قَالَ الْخَلَّالُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَمِيلُ إلَى اللَّبِنِ، وَيَخْتَارُهُ عَلَى الْقَصَبِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ. وَمَالَ إلَى اسْتِحْبَابِ الْقَصَبِ عَلَى اللَّبِنِ، وَأَمَّا الْخَشَبُ فَكَرِهَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَرَخَّصَ فِيهِ عِنْدَ
الضَّرُورَةِ
إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ اسْتِحْبَابُ اللَّبِنِ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْقَصَبِ؛ لِقَوْلِ سَعْدٍ: انْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ سَعْدٍ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ فَإِنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَرَ، وَلَمْ يَحْضُرْ، وَأَيُّهُمَا فَعَلَهُ كَانَ حَسَنًا. قَالَ حَنْبَلٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَبِنٌ؟ قَالَ يُنْصَبُ عَلَيْهِ الْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ، وَمَا أَمْكَنَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُهَالُ عَلَيْهِ التُّرَابُ.
[فَصْلٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَثَى عَلَى الْمَيِّتِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ]
(١٥٧٨) فَصْلٌ: رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ حَضَرَ جِنَازَةً، فَلَمَّا أُلْقِيَ عَلَيْهَا التُّرَابُ، قَامَ إلَى الْقَبْرِ، فَحَثَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَانِهِ وَقَالَ: قَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ وَصَحَّ، أَنَّهُ حَثَى عَلَى قَبْرِ ابْنِ مُكَفِّفٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا بَأْسَ. وَوَجْهُ اسْتِحْبَابِهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ أَتَى قَبْرَ الْمَيِّتِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَحَثَى عَلَيْهِ ثَلَاثًا.» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَحَثَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَ رَأْسِهِ.»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute