[فَصْل الْمُعْتَمِرُ غَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ يَحِلُّ مِنْ إحرامه]
(٢٤٨٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ غَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرَ، سِوَى الْعُمْرَةِ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ، بَعْضُهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَقِيلَ: كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَكَانَ يَحِلُّ. فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ. وَحَيْثُ نَحَرَهُ مِنْ الْحَرَمِ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (كُلُّ فِجَاحِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
[فَصْل الْمُسْتَحَبَّ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ عِنْد حِلِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ]
فَصْلٌ: وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: (قَصَّرَ مِنْ شَعْرِهِ، ثُمَّ قَدْ حَلَّ) . يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ عِنْدَ حِلِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ التَّقْصِيرُ؛ لِيَكُونَ الْحَلْقُ لِلْحَجِّ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: وَيُعْجِبُنِي إذَا دَخَلَ مُتَمَتِّعًا أَنْ يُقَصِّرَ؛ لِيَكُونَ الْحَلْقُ لِلْحَجِّ. . وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ إلَّا بِالتَّقْصِيرِ، فَقَالَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ بِطَوَافٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا» . وَفِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَقَصَّرُوا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلِيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ حَلَقَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ، فَجَازَ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ التَّقْصِيرِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ نُسُكٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ، فَيَحِلُّ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حَسْبُ. وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ تَرَكَ التَّقْصِيرَ أَوْ الْحَلْقَ، وَقُلْنَا: هُوَ نُسُكٌ. فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ التَّقْصِيرِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عُمْرَتَهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ وَطِىءَ قَبْلَ حِلِّهِ مِنْ عُمْرَتِهِ. وَعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ مُعْتَمِرَةٍ، وَقَعَ بِهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تُقَصِّرَ. قَالَ: مَنْ تَرَكَ مِنْ مَنَاسِكِهِ شَيْئًا، أَوْ نَسِيَهُ، فَلْيُهْرِقْ دَمًا. قِيلَ: إنَّهَا مُوسِرَةٌ. قَالَ: فَلْتَنْحَرْ نَاقَةً. وَلِأَنَّ التَّقْصِيرَ لَيْسَ بِرُكْنٍ، فَلَا يَفْسُدُ النُّسُكُ بِتَرْكِهِ، وَلَا بِالْوَطْءِ قَبْلَهُ، كَالرَّمْيِ فِي الْحَجِّ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي مَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَبْلَ تَقْصِيرِهَا مِنْ عُمْرَتِهَا: تَذْبَحُ شَاةً. قِيلَ: عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا؟ قَالَ: عَلَيْهَا هِيَ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ. فَإِنْ أَكْرَهَهَا، فَالدَّمُ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ التَّقْصِيرِ، فَقَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، فَيَصِيرُ قَارِنًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute