يُقِرُّوا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، فَلَا يَرِثُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مَعْرُوفِ النَّسَبِ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ مَالٍ لَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِهِ، فَلَزِمَهُ الْمَالُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، فَأَنْكَرَ الْآخَرُ. وَفَارَقَ مَا إذَا أَقَرَّ بِنَسَبٍ مَعْرُوفِ النَّسَبِ؛ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِبُطْلَانِهِ.
وَلِأَنَّهُ يُقِرُّ لَهُ بِمَالٍ يَدَّعِيه الْمُقَرُّ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ لَهُ بِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ، أَوْ أَقَرَّ لَهُ وَصِيَّةً، فَأَنْكَرَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْوَاجِبَ لَهُ فَضْلُ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ عَنْ مِيرَاثِهِ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَشَرِيكٌ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَ اثْنَانِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ، لَزِمَهُ دَفْعُ نِصْفِ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ، لَزِمَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ، فَصَارَ كَالْغَاصِبِ، فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ غَصَبَ بَعْضَ التَّرِكَةِ أَجْنَبِيٌّ.
وَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ التَّرِكَةِ، كَمَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِهَا، فَإِذَا هَلَكَ بَعْضُهَا، أَوْ غُصِبَ، تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِبَاقِيهَا، وَاَلَّذِي فِي يَدِ الْمُنْكِرِ كَالْمَغْصُوبِ، فَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِيَ بِالسَّوِيَّةِ، كَمَا لَوْ غَصَبَهُ أَجْنَبِيٌّ. وَلَنَا، أَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، فَلَا يَسْتَحِقُّ مِمَّا فِي يَدِهِ إلَّا الثُّلُثَ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِبَيِّنَةٍ. وَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِحَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِحِصَّتِهِ وَحِصَّةِ أَخِيهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا يَخُصُّهُ، كَالْإِقْرَارِ بِالْوَصِيَّةِ، وَكَإِقْرَارِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ.
وَلِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ مَعَهُ بِالنَّسَبِ أَجْنَبِيٌّ ثَبَتَ، وَلَوْ لَزِمَهُ أَكْثَرُ مِنْ حِصَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِكَوْنِهِ يَجُرُّ بِهَا نَفْعًا، لِكَوْنِهِ يُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ بَعْضَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قَدْرُ حِصَّتِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، كَالْوَصِيَّةِ.
وَفَارَقَ مَا إذَا غَصَبَ بَعْضَ التَّرِكَةِ وَهُمَا اثْنَانِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَهَا هُنَا يَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ مِنْ كُلّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ صَادِقًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ نَصِيبَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَلْزَمُهُ. وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ أَوْ ثُلُثَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
[فَصْلٌ إقْرَار جَمِيعُ الْوَرَثَةِ بِنَسَبِ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِي الْمِيرَاثِ]
(٣٨٧٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ بِنَسَبِ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِي الْمِيرَاثِ، ثَبَتَ نَسَبُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَرَثَةُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي مِيرَاثِهِ، وَدُيُونِهِ، وَالدُّيُونِ الَّتِي عَلَيْهِ، وَبَيِّنَاتِهِ، وَدَعَاوِيهِ، وَالْأَيْمَانِ الَّتِي لَهُ وَعَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي النَّسَبِ. وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ، «أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ اخْتَصَمَ هُوَ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: أَوْصَانِي أَخِي عُتْبَةُ إذَا قَدِمْت مَكَّةَ أَنْ أَنْظُرَ إلَى ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، وَأَقْبِضَهُ، فَإِنَّهُ ابْنُهُ. فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هُوَ أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ لَك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute