دُونَ الْمُمَكَّنِ لَهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَالْحَاكِمُ الْمُمَكِّنُ لَهُ صَاحِبُ سَبَبٍ، وَمَتَى اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ مَعَ الْمُتَسَبِّبِ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُتَسَبِّبِ، كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ، وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ دُونَ الْوَلِيِّ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ مَعْذُورٌ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ، كَالسَّيِّدِ إذَا أَمَرَ عَبْدَهُ بِالْقَتْلِ، وَالْعَبْدُ أَعْجَمِيٌّ لَا يَعْرِفُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ، وَكَشُهُودِ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا وَحْدَهُ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ، وَالْوَلِيُّ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى حُكْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: الضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ، كَمَا لَوْ كَانَا عَالِمَيْنِ. وَالثَّانِي، عَلَى الْوَلِيِّ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ فِي كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَالسَّبَبُ، غَيْرُ مُلْجِئٍ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ، وَكَمَا لَوْ أَمَرَ مِنْ يَعْلَمُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ بِهِ فَقَتَلَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْقَاطِعُ سَالِمَ الطَّرَفِ وَالْمَقْطُوعَةُ شَلَّاءُ]
(٦٧٣٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْقَاطِعُ سَالِمَ الطَّرَفِ، وَالْمَقْطُوعَةُ شَلَّاءُ، فَلَا قَوَدَ) لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ بِوُجُوبِ قَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ لِسَانٍ صَحِيحٍ بِأَشَلَّ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُد، أَنَّهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَمًّى بِاسْمِ صَاحِبِهِ، فَيُؤْخَذُ بِهِ كَالْأُذُنَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ الشَّلَّاءَ لَا نَفْعَ فِيهَا سِوَى الْجَمَالِ، فَلَا يُؤْخَذُ بِهَا مَا فِيهِ نَفْعُ، كَالصَّحِيحَةِ لَا تُؤْخَذُ بِالْقَائِمَةِ، وَمَا ذُكِرَ لَهُ قِيَاسٌ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، وَإِذَا لَمْ يُوجِبْ الْقِصَاصَ فِي الْعَيْنَيْنِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: ٤٥] . لِأَجْلِ تَفَاوُتِهِمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْعَمَى، فَلَأَنْ لَا يَجِبَ ذَلِكَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ أَوْلَى.
[فَصْلٌ قَطَعَ أُذُنًا شَلَّاءَ أَوْ أَنْفًا أَشَلَّ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِهِ الصَّحِيحُ]
(٦٧٣٣) فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ أُذُنًا شَلَّاءَ، أَوْ أَنْفًا أَشَلَّ، فَهَلْ يُؤْخَذُ بِهِ الصَّحِيحُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا يُؤْخَذُ بِهِ، كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَالثَّانِي، يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ لَا يَذْهَبُ بِشَلَلِهِ، فَإِنَّ نَفْعَ الْأُذُنِ جَمْعُ الصَّوْتِ، وَرَدُّ الْهَوَامِّ، وَسَتْرُ مَوْضِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute