مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَكَانَ الْبَيْعُ فِيهِ مُحَرَّمًا، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ مِمَّنْ يَقْعُدُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُحَرَّمِ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْقُعُودِ وَالْبَيْعِ فِيهِ، وَتَرْكُ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقُعُودِ. وَقَالَ: لَا يَبْتَاعُ مِنْ الْخَانَاتِ الَّتِي فِي الطُّرُقِ، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ. كَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُضْطَرِّ. وَقَالَ فِي السُّلْطَانِ إذَا بَنَى دَارًا، وَجَمَعَ النَّاسَ إلَيْهَا: أَكْرَهُ الشِّرَاءَ مِنْهَا.
وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ عِبَادَةٌ، فَمَا لَيْسَ بِعِبَادَةِ أَوْلَى.
وَقَالَ فِي مَنْ غَصَبَ ضَيْعَةً، وَغُصِبَتْ مِنْ الْغَاصِبِ، فَأَرَادَ الثَّانِي رَدَّهَا: جَمَعَ بَيْنَهُمَا. يَعْنِي بَيْنَ مَالِكِهَا وَالْغَاصِبِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُمْ، جَمَعَ وَرَثَتَهُ. إنَّمَا قَالَ هَذَا احْتِيَاطًا، خَوْفَ التَّبِعَةِ مِنْ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا طَالَبَ بِهَا، وَادَّعَاهَا مِلْكًا بِالْيَدِ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ رَدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا. وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، فِي رَجُلٍ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفًا، فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى الْمُسْتَوْدَعِ، فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا غَصَبَنِي الْأَلْفَ الَّذِي اسْتَوْدَعَكَهُ.
وَصَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُسْتَوْدَعِ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ التَّبِعَةَ، وَهُوَ أَنْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَيْهِ، دَفَعَهُ إلَيْهِ. "
[مَسْأَلَة غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَة فَزَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ نَقَصَتْ حَتَّى صَارَتْ مِائَةً]
(٣٩٥٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَزَادَ فِي بَدَنِهِ، أَوْ بِتَعَلُّمٍ، حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْنِ، ثُمَّ نَقَصَ بِنُقْصَانِ بَدَنِهِ، أَوْ نِسْيَانِ مَا عُلِّمَ، حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً، أَخَذَهُ السَّيِّدُ، وَأَخَذَ مِنْ الْغَاصِبِ مِائَةً) وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِوَضُ الزِّيَادَةِ، إلَّا أَنْ يُطَالِبَ بِرَدِّهَا زَائِدَةً، فَلَا يَرُدُّهَا؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ كَمَا أَخَذَهَا، فَلَمْ يَضْمَنْ نَقْصَ قِيمَتِهَا، كَنَقْصِ سِعْرِهَا، وَلَنَا، أَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي نَفْسِ الْمَغْصُوبِ، فَلَزِمَ الْغَاصِبَ ضَمَانُهَا، كَمَا لَوْ طَالَبَهُ بِرَدِّهَا فَلَمْ يَفْعَلْ.
وَفَارَقَ زِيَادَةَ السِّعْرِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْغَصْبِ، لَمْ يَضْمَنْهَا، وَالصِّنَاعَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ، فَهِيَ صِفَةٌ فِيهِ، وَلِذَلِكَ يَضْمَنُهَا إذَا طُولِبَ بِرَدِّ الْعَيْنِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فَلَمْ يَرُدَّهَا، وَأَجْرَيْنَاهَا هِيَ وَالتَّعَلُّمَ مَجْرَى السِّمَنِ الَّذِي هُوَ عَيْنٌ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ تَتْبَعُ الْعَيْنَ، وَأَجْرَيْنَا الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مَجْرَى الزِّيَادَةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَتَكُونُ مَمْلُوكَةً لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْعَيْنِ.
فَأَمَّا إنْ غَصَبَ الْعَيْنَ سَمِينَةً، أَوْ ذَاتَ صِنَاعَةٍ، أَوْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَنَحْوَهُ، فَهَزَلَتْ وَنَسِيَتْ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهَا. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهَا نَقَصَتْ عَنْ حَالِ غَصْبِهَا نَقْصًا أَثَّرَ فِي قِيمَتِهَا، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ أَذْهَبَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا.