للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى الْأَكْلِ هُمْ وَأَضْيَافُهُمْ، وَيُطْعِمُونَ جِيرَانَهُمْ وَأَهْلَهُمْ وَأَصْدِقَاءَهُمْ وَسُؤَّالَهُمْ. وَيَكُونُ فِي الثَّمَرَةِ السُّقَاطَةُ، وَيَنْتَابُهَا الطَّيْرُ وَتَأْكُلُ مِنْهُ الْمَارَّةُ، فَلَوْ اسْتَوْفَى الْكُلَّ مِنْهُمْ أَضَرَّ بِهِمْ. وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ، وَنَحْوُهُ قَالَ اللَّيْثُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.

وَالْمَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِ الْمَتْرُوكِ إلَى السَّاعِي بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ رَأْي الْأَكَلَةَ كَثِيرًا تَرَكَ الثُّلُثَ، وَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا تَرَكَ الرُّبْعَ؛ لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبْعُ» . رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَعَثَ الْخُرَّاصَ قَالَ: خَفِّفُوا عَلَى النَّاسِ، فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْوَاطِئَةَ وَالْأَكَلَةَ» . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْوَاطِئَةُ: السَّابِلَةُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِوَطْئِهِمْ بِلَادَ الثِّمَارِ مُجْتَازِينَ. وَالْأَكَلَةُ: أَرْبَابُ الثِّمَارِ وَأَهْلُوهُمْ، وَمَنْ لَصِقَ بِهِمْ. وَمِنْهُ حَدِيثُ سَهْلٍ فِي مَالِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَعْدٍ، حِينَ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي وَجَدْت فِيهِ أَرْبَعِينَ عَرِيشًا، لَخَرَصْته تِسْعَمِائَةِ وَسْقٍ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْعُرُشُ لِهَؤُلَاءِ الْأَكَلَةِ. وَالْعَرِيَّةُ: النَّخْلَةُ أَوْ النَّخَلَاتُ يَهَبُ إنْسَانًا ثَمَرَتَهَا.

فَجَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِي الْعَرَايَا صَدَقَةٌ» . وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: إذَا أَتَيْت عَلَى نَخْلٍ قَدْ حَضَرَهَا قَوْمٌ، فَدَعْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. وَالْحُكْمُ فِي الْعِنَبِ كَالْحُكْمِ فِي النَّخِيلِ سَوَاءٌ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ الْخَارِصُ شَيْئًا، فَلَهُمْ الْأَكْلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِمْ بِهِ.

نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْإِمَامُ خَارِصًا فَاحْتَاجَ رَبُّ الْمَالِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَرَةِ، فَأَخْرَجَ خَارِصًا، جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَإِنْ خَرَصَ هُوَ وَأَخَذَ بِقَدْرِ ذَلِكَ، جَازَ وَيَحْتَاطُ فِي أَنْ لَا يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ أَخْذُهُ.

[فَصْلُ يُخْرَصُ النَّخْلُ وَالْكَرْمُ]

(١٨٥٠) فَصْلٌ: وَيُخْرَصُ النَّخْلُ وَالْكَرْمُ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَثَرِ فِيهِمَا، وَلَمْ يُسْمَعْ بِالْخَرْصِ فِي غَيْرِهِمَا، فَلَا يُخْرَصُ الزَّرْعُ فِي سُنْبُلِهِ. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِالْخَرْصِ فِيهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ تُؤْكَلُ رُطَبًا، فَيُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمْ، لِيُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَكْلِ الثَّمَرَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، ثُمَّ يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ مِنْهَا عَلَى مَا خُرِصَ، وَلِأَنَّ ثَمَرَةَ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ ظَاهِرَةٌ مُجْتَمِعَةٌ، فَخَرْصُهَا أَسْهَلُ مِنْ خَرْصِ غَيْرِهَا، وَمَا عَدَاهُمَا فَلَا يُخْرَصُ.

وَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ الْأَمَانَةُ إذَا صَارَ مُصَفًّى يَابِسًا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ، وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِمْ. وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّا يَأْكُلُ أَرْبَابُ الزُّرُوعِ مِنْ الْفَرِيكِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا يَأْكُلُهُ أَرْبَابُ الثِّمَارِ مِنْ ثِمَارِهِمْ، فَإِذَا صُفِّيَ الْحَبُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>