وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِطُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَانْقِطَاعِ دَمِهَا. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] . وَقَدْ كَمَّلَتْ الْقُرُوءُ، بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا، وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَفِعْلِ الصِّيَامِ، وَصِحَّتِهِ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ حُكْمُ الْعِدَّةِ فِي الْمِيرَاثِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا، وَاللِّعَانِ، وَالنَّفَقَةِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
قَالَ الْقَاضِي: إذَا شَرَطْنَا الْغُسْلَ، أَفَادَ عَدَمُهُ إبَاحَةَ الرَّجْعَةِ وَتَحْرِيمَهَا عَلَى الْأَزْوَاجِ، فَأَمَّا سَائِرُ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهَا تَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ دَمِهَا. فَصْلٌ: (٦٣٠٩) وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ. فَطَلَّقَهَا وَهِيَ طَاهِرٌ، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا حَائِضًا، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ. وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَمَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْهُ قَوْلٌ آخَرُ، لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ الدَّمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ دَمَ فَسَادٍ، فَلَا نَحْكُمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى يَزُولَ الِاحْتِمَالُ. وَحَكَى الْقَاضِي هَذَا احْتِمَالًا فِي مَذْهَبِنَا أَيْضًا.
وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْعِدَّةَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا مُخَالِفَةٌ لِلنَّصِّ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مِنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْهُمْ بِإِسْنَادِهِ، وَلَفْظُ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ، وَبَرِئَ مِنْهَا، وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا.» وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الدَّمَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَمَ فَسَادٍ. قُلْنَا: قَدْ حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَتَحْرِيمِهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَسَائِرِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ، فَكَذَلِكَ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. ثُمَّ إنْ كَانَ التَّوَقُّفُ عَنْ الْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِلِاحْتِمَالِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ، عَلِمْنَا أَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ انْقَضَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ مِنْ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ تَكْمُلُ بِهِ الْعِدَّةُ، فَكَانَ مِنْهَا، كَاَلَّذِي فِي أَثْنَاءِ الْأَطْهَارِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ مِنْهَا، إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِهِ انْقِضَاؤُهَا، وَلِأَنَّنَا لَوْ جَعَلْنَاهُ مِنْهَا، أَوْجَبْنَا الزِّيَادَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَلَكِنَّا نَمْنَعُهَا مِنْ النِّكَاحِ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلَوْ رَاجَعَهَا زَوْجُهَا فِيهَا، لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ. وَهَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ.
[مَسْأَلَة اغْتَسَلَتْ الْأَمَة مِنْ الْحَيْضَة الثَّانِيَة فِي الْعِدَّة]
(٦٣١٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ) . أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: عِدَّةُ الْأَمَةِ بِالْقُرْءِ قُرْءَانِ. مِنْهُمْ؛ عُمَرُ وَعَلِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.، وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute