وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَشُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى ضَمَانُ الْبَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قَادَهُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَا فِيهِ، وَكَانَ سَبَبَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ قَصْدًا لَمْ يَضْمَنْهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْأَعْمَى، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانٌ بِقَصْدِهِ. لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْأَعْمَى، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، كَمَا لَوْ حَفَرَ لَهُ بِئْرًا فِي دَارِهِ بِإِذْنِهِ، فَتَلِفَ بِهَا. الثَّانِي: أَنَّهُ فِعْلٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، مَأْمُورٌ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي سَابِلَةٍ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهَا.
[فَصْلٌ سَقَطَ رَجُلٌ فِي بِئْرٍ فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ فَوَقَعَا مَعًا]
(٦٨٦٩) فَصْل: فَإِنْ سَقَطَ رَجُلٌ فِي بِئْرٍ، فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ، فَوَقَعَا مَعًا، فَدَمُ الْأَوَّلِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِهِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِي إنَّ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِجَذْبَتِهِ. فَإِنْ تَعَلَّقَ الثَّانِي بِثَالِثِ، فَمَاتُوا جَمِيعًا، فَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّالِثِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَتُهُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَذَبَهُ وَبَاشَرَهُ بِالْجَذْبِ، وَالْمُبَاشَرَةُ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّبَبِ، كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ، وَالثَّانِي دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ جَذَبَ الثَّانِيَ الْجَاذِبَ لِلثَّالِثِ، فَصَارَ مُشَارِكًا لِلثَّانِي فِي إتْلَافِهِ. وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بِجَذْبَتِهِ، وَإِنْ هَلَكَ بِسُقُوطِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ، فَقَدْ هَلَكَ بِجَذْبَةِ الْأَوَّلِ وَجَذْبَةِ نَفْسِهِ لِلثَّالِثِ، فَسَقَطَ فِعْلُ نَفْسِهِ، كَالْمُصْطَدَمِينَ، وَتَجِبُ دِيَتُهُ بِكَمَالِهَا عَلَى الْأَوَّلِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَيُهْدَرُ نِصْفُهَا فِي مُقَابِلَةِ فِعْلِ نَفْسِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ وُجُوبُ نِصْفِ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ، كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا رَمَى ثَلَاثَةٌ بِالْمَنْجَنِيقِ، فَقَتَلَ الْحَجَرُ أَحَدَهُمْ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ إذَا مَاتَ بِوُقُوعِهِمَا عَلَيْهِ، فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَذْبَتِهِ وَجَذْبَةِ الثَّانِي لِلثَّالِثِ، فَتَجِبُ دِيَتُهُ كُلُّهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي: وَيُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ، عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي: يُهْدَرُ نِصْفُ دِيَتِهِ الْمُقَابِلُ لِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَيَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي: وَعَلَى الثَّالِثِ، يَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ.
وَإِنْ جَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا، فَمَاتَ جَمِيعُهُمْ بِوُقُوعِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا فِي نَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ، وَفِي دِيَتِهِ وَجْهَانِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute