أَخَذَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا انْفَسَخَ، زَالَ مِلْكُ الْمُفْلِسِ عَنْ الثَّمَنِ، كَزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَنْ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ، شَارَكَ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ.
[مَسْأَلَةٌ يُنْفَق عَلَى الْمُفْلِس وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ]
(٣٤٥٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَيُنْفَقُ عَلَى الْمُفْلِسِ، وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ، إلَى أَنْ يُفْرَغَ مِنْ قِسْمَتِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حُجِرَ عَلَى الْمُفْلِسِ، وَكَانَ ذَا كَسْبٍ يَفِي بِنَفَقَتِهِ، وَنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِ مَالِهِ مَعَ غِنَاهُ بِكَسْبِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ مَالِهِ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى النَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ دُونَ نَفَقَتِهِ، كَمَّلْنَاهَا مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا كَسْبٍ، أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مُدَّةَ الْحَجْرِ، وَإِنْ طَالَتْ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِك، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِيمَنْ يَعُولُهُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَهِيَ الزَّوْجَةُ، فَإِذَا قَدَّمَ نَفَقَةَ نَفْسِهِ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، فَكَذَلِكَ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَلِأَنَّ الْحَيَّ آكَدُ حُرْمَةً مِنْ الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ، وَتَقْدِيمُ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَمُؤْنَةِ دَفْنِهِ عَلَى دَيْنِهِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَنَفَقَتُهُ أَوْلَى
وَتُقَدَّمُ أَيْضًا نَفَقَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، مِثْلِ الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودِينَ، وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ تُحَبُّ نَفَقَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَجْرُونَ مَجْرَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ ذَوِي رَحِمِهِ مِنْهُمْ يَعْتِقُونَ إذَا مَلَكَهُمْ، كَمَا يَعْتِقُ إذَا مَلَكَ نَفْسَهُ، فَكَانَتْ نَفَقَتُهُمْ كَنَفَقَتِهِ، وَكَذَلِكَ زَوْجَتُهُ تُقَدَّمُ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ مِنْ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَفِيهَا مَعْنَى الْإِحْيَاءِ، كَمَا فِي الْأَقَارِبِ، وَمِمَّنْ أَوْجَبَ الْإِنْفَاقَ عَلَى الْمُفْلِسِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ مِنْ مَالِهِ، أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ. وَتَجِبُ كُسْوَتُهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا تَقُومُ النَّفْسُ بِدُونِهِ، وَالْوَاجِبُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ أَدْنَى مَا يُنْفَقُ عَلَى مِثْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَدْنَى مَا يَكْتَسِي مِثْلُهُ، إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الطَّعَامِ أَوْ مُتَوَسِّطِهِ، وَكَذَلِكَ كُسْوَتُهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَكْتَسِبهُ مِثْلُهُ، وَكُسْوَةُ امْرَأَتِهِ وَنَفَقَتُهَا مِثْلُ مَا يُفْتَرَضُ عَلَى مِثْلِهِ
وَأَقَلُّ مَا يَكْفِيه مِنْ اللِّبَاسِ قَمِيصٌ، وَسَرَاوِيلُ، وَشَيْءٌ يَلْبَسُهُ عَلَى رَأْسِهِ، إمَّا عِمَامَةٌ وَإِمَّا قَلَنْسُوَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا، مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ، وَلِرِجْلِهِ حِذَاءٌ، إنْ كَانَ يَعْتَادُهُ. وَإِنْ احْتَاجَ إلَى جُبَّةٍ، أَوْ فَرْوَةٍ لِدَفْعِ الْبَرْدِ، دُفِعَ إلَيْهِ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ ثِيَابٌ لَا يَلْبَسُ مِثْله مِثْلَهَا، بِيعَتْ، وَاشْتُرِيَ لَهُ كُسْوَةٌ مِثْلُهَا، وَرُدَّ الْفَضْلُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ إذَا بِيعَتْ، وَاشْتُرِيَ لَهُ كُسْوَةٌ، لَا يَفْضُلُ مِنْهَا شَيْءٌ تُرِكَتْ؛ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي بَيْعِهَا.
[فَصْلٌ كُفِّنَ الْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ]
(٣٤٥٤) فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ الْمُفْلِسُ، كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ كَانَتْ وَاجِبَةً مِنْ مَالِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَوَجَبَ تَجْهِيزُهُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ يَجِبُ كَفَنُ مَنْ يُمَوِّنُهُ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُ تَكْفِينُ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ، فَسَقَطَتْ النَّفَقَةُ. وَيُفَارِقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute